تخلّف المسلمين عن الإسلام ! د.عبد المعطي الدالاتي
"إنني أؤمن بإسلام النبي محمد ، وبإسلام الخلفاء
الراشــدين ، وليـس بإسلام مسلمي هذا العصر!" - برناردشو –
إذا كان الإسلام قد ابتلي بأعداء ينتقصون أطرافه من الخارج ، فقد ابتلي بلاءً أشد بأصدقاء يشوّهون معالمه من الداخل !..
وإنّ فتح أبواب الحصون من داخلها أهون من فتحها من خارجها بكثير ، و " إن أعداءنا لا يضربوننا بأيديهم ، قدر ما يضربوننا بأيدينا!" على حد تعبير الغزالي رحمه الله .
ويأتي تخلف المسلمين على رأس الأسباب التي تعوق انتشار الإسلام.
إذ يشكّل تخلفهم مرآة مشوّهة لا تعكس أنوار الإسلام، بل تعكس ظلمات المسلمين .
ومثلما فتنَنا الغربيون ببريق حضارتهم الزائف ، كذلك فتنّاهم بظلام تخلفنا !
يقول د. محمد عمارة :" لولا هذا التخلف الذي يعيش فيه العالم الإسلامي لكان للإسلام جاذبية أكبر في إطار التجمعات الغربية ، فالعقلية الغربية مؤهلة للانعطاف للإسلام لطابعه العقلاني" (1).
ويقول عباس العقاد : " إن الجاهل أعدى لأمته من أعدى أعدائها ! وما نُكب الإسلام كما نكب من أبنائه الجاهلين" !
يا شرقُ لا تشــكُ الشــقاءَ * * * ولا تُطلْ فيه نــواحَكْ
لو لم تكن بيديك مجروحاً * * * لَضمـّـدنـا جــراحـكْ !
إن واقع المسلمين الحالي يمثّل حجاباً كثيفاً يطمس نور الإسلام ، ويُمثّل من ثَمّ صدّاً عن سبيل الله ، وبذا يرتكب المسلمون خطيئتين : تقصيرهم في تطبيق الإسلام ، وحجبهم أنواره عن الأمم.
وليت شعري، كيف يستطيع المتخلف حضارياً أن يُقنع المتحضّرين – ولو مادياً – باعتناق مبدئه ؟! يقول العلامة الغزالي : " إن امتلاك الحياة الدنيا عن قدرة وخبرة هو السبيل لنصرة المبادئ"(2).
وهو السبيل أيضاً للحفاظ على كيان الأمة ، فالمسلم لن يحميه في المعترك الحضاري إلا يده المؤمنة المتوضئة التي تستخرج معدن الحديد من أطواء الأرض ، على حد تعبير الدكتور المؤرخ عماد الدين خليل .
ونحن المسلمين ، لن تكون لنا الآخرة إن لم تكن لنا الدنيا .. فمن عجز عن إعمار دنياه، فهو عن إعمار آخرته أعجز .
وسيُسأل المسلمون في الآخرة عن كيفية مرورهم في الدنيا،(( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسئُولُونَ ))(3).
وإن تخلف المسلمين ماهو في الحقيقة إلا تخلفهم عن فهم الإسلام و عن الارتفاع إلى مستوى تطبيقه ، الأمر الذي أدى إلى تخلفهم عن قيادة العصر وعن صناعة الحياة .
فالتخلف انتقام للمبادئ التي خانها أصحابها ، يقول الإمام محمد عبده : " كل ما يُعاب على المسلمين ليس من الإسلام ، وإنما هو شيء آخر سمّوه إسلاماً"(4) .
ويقول المفكر عمر عبيد حسنة : " هل أخطر من أن نأتي إلى صوَر من تخلفنا فنرفع فوقها شعارات لتصبح هي الإسلام ؟!"(5).
ويقول المفكر مالك بن نبي : " التخلف هو عقوبة إلهية أوقعها الإسلام بأتباعه جرّاء تخلّيهم عنه ، إن المسلمين تأخروا لأنهم تركوا الإسلام لا لأنهم تمسكوا به ، فحقّ عليهم قوله سبحانه : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) (6).
وقد نجح الإعلام الغربي – للأسف – باستغلال تخلف المسلمين فوظفه لصالح أطروحاته المعادية للإسلام والعرب .
ومن دعا الناسَ إلى ذمّهِ * * * ذمّوه بالحق وبالباطـل ِ(7)
مفردات التخلف
تشتبك في التخلف الأسباب والنتائج ، لتشكل دائرة معيبة تستلزم استنفار كل الطاقات لكسرها ، وأهم هذه المفردات :
1- جفاء القلم والقراءة ، وانحسار الوعي الحضاري والفقه السنني .
2- انطفاء فاعلية العقل المسلم ، وضعف توهّجه ، وإصابته بالجمود المؤدي للجحود ..
وتقديم عقلية الحفظ على التفكير ، واستبدال الارتجال بالتخطيط ، والتسويغ بالنقد والمراجعة والتوبة .
3- تبديد الوقت وعدم سماع خطوات الزمن الهارب، وإضاعة العمر العزيز في أعمال صغيرة أو تافهة!.
4- الكسل ، وعدم إتقان العمل ، والتطلّع إلى نتائج عظيمة من جهد يسير !.
5- تقديس الأشخاص والتعلق بهم دون المبادىء والأفكار،
و التركيز على الفرد المنقذ ، وغياب العمل المؤسسي المعتمد على الشورى والتكامل وعلى روح الفريق .
6- التعصب المذهبي المقيت البالغ حد الحمق! والتدين المغشوش ، والارتزاق بالدين ، وانتشار الأحاديث المكذوبة والقصص الخرافية والإسرائيليات ..
وانتشار الفوضى في الوعظ والتبليغ ! والابتداع في الدين ، مع ترك الإبداع في الدنيا !!.
7- ضعف الإحساس بالجمال والنظافة ، وضعف الشعور بالقانون والنظام وبالمسؤولية تجاه المجتمع .
8- اليأس القتّال والخور المميت ! وتمزق وحدة المسلمين ..
وظلماتٌ بعضها فوق بعض !
هذا هو مناخ التخلف الذي أناخ فوق صدر أمتنا ، فحجب الإسلام عن الأنام .
يقول الأفغاني : " أفضل وسيلة لإقناع الغربيين بالإسلام، أن نقنعهم أولاً بأننا لسنا مسلمين كما ينبغي" .
فيا عجباً لأمة (اقرأ) كيف خدّرها الجهل !
ويا عجباً لأمة (سورة الحديد) كيف أناخ بها الضعف !
ويا عجباً لأمة (سورة العصر) كيف رضيت أن تكون خارج العصر !
ويا عجباً لأمة تنام في النور ، ولأمم تستيقظ في الظلام !
بأيديهمُ نُوران ِ: ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ ! (8)
يقول الشاعر حافظ شيرازي : " نفسي متعبة من هذه الحال التي أناخت على أمتي فجعلت الأعداء يتزاحمون عليها ويجعلون أعزة أهلها أذلة ..
نفسي متعبة فأنا أرى كل هذا السوء يحط على أمتي وأنا وحدي لا أتمكّن من رفعه ولا أقدر على دفعه !
نفسي متعبة باكية ..ولكنْ هو ذا في الأفق البعيد، يلوح نور جديد ، يهدي الضالّ، ويُنهض الآمال"(9).
***
" من كتاب " ربحت محمّداً ولم أخسر المسيح
----------------------------
(1) مجلة الفيصل – العدد 130- عام 1987م .
(2) (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) محمد الغزالي ص(137) .
(3) قرآن كريم (37/24) .
(4) (الإسلام والمسيحية مع العلم والمدنية) الإمام محمد عبده ص(115) .
(5) ( حتى يتحقق الشهود الحضاري ) عمرعبيد حسنة ص(115) .
(6) عن (الغزو الثقافي يمتد في فراغنا) للعلامة محمد الغزالي ص(74) .
(7) بيت الشعر لكعب بن زهير ، رضي الله عنه .
(8) بيت الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي .
(9) (حافظ شيرازي شاعر الغناء والغزل) د.ابراهيم الشواربي ص389
"إنني أؤمن بإسلام النبي محمد ، وبإسلام الخلفاء
الراشــدين ، وليـس بإسلام مسلمي هذا العصر!" - برناردشو –
إذا كان الإسلام قد ابتلي بأعداء ينتقصون أطرافه من الخارج ، فقد ابتلي بلاءً أشد بأصدقاء يشوّهون معالمه من الداخل !..
وإنّ فتح أبواب الحصون من داخلها أهون من فتحها من خارجها بكثير ، و " إن أعداءنا لا يضربوننا بأيديهم ، قدر ما يضربوننا بأيدينا!" على حد تعبير الغزالي رحمه الله .
ويأتي تخلف المسلمين على رأس الأسباب التي تعوق انتشار الإسلام.
إذ يشكّل تخلفهم مرآة مشوّهة لا تعكس أنوار الإسلام، بل تعكس ظلمات المسلمين .
ومثلما فتنَنا الغربيون ببريق حضارتهم الزائف ، كذلك فتنّاهم بظلام تخلفنا !
يقول د. محمد عمارة :" لولا هذا التخلف الذي يعيش فيه العالم الإسلامي لكان للإسلام جاذبية أكبر في إطار التجمعات الغربية ، فالعقلية الغربية مؤهلة للانعطاف للإسلام لطابعه العقلاني" (1).
ويقول عباس العقاد : " إن الجاهل أعدى لأمته من أعدى أعدائها ! وما نُكب الإسلام كما نكب من أبنائه الجاهلين" !
يا شرقُ لا تشــكُ الشــقاءَ * * * ولا تُطلْ فيه نــواحَكْ
لو لم تكن بيديك مجروحاً * * * لَضمـّـدنـا جــراحـكْ !
إن واقع المسلمين الحالي يمثّل حجاباً كثيفاً يطمس نور الإسلام ، ويُمثّل من ثَمّ صدّاً عن سبيل الله ، وبذا يرتكب المسلمون خطيئتين : تقصيرهم في تطبيق الإسلام ، وحجبهم أنواره عن الأمم.
وليت شعري، كيف يستطيع المتخلف حضارياً أن يُقنع المتحضّرين – ولو مادياً – باعتناق مبدئه ؟! يقول العلامة الغزالي : " إن امتلاك الحياة الدنيا عن قدرة وخبرة هو السبيل لنصرة المبادئ"(2).
وهو السبيل أيضاً للحفاظ على كيان الأمة ، فالمسلم لن يحميه في المعترك الحضاري إلا يده المؤمنة المتوضئة التي تستخرج معدن الحديد من أطواء الأرض ، على حد تعبير الدكتور المؤرخ عماد الدين خليل .
ونحن المسلمين ، لن تكون لنا الآخرة إن لم تكن لنا الدنيا .. فمن عجز عن إعمار دنياه، فهو عن إعمار آخرته أعجز .
وسيُسأل المسلمون في الآخرة عن كيفية مرورهم في الدنيا،(( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسئُولُونَ ))(3).
وإن تخلف المسلمين ماهو في الحقيقة إلا تخلفهم عن فهم الإسلام و عن الارتفاع إلى مستوى تطبيقه ، الأمر الذي أدى إلى تخلفهم عن قيادة العصر وعن صناعة الحياة .
فالتخلف انتقام للمبادئ التي خانها أصحابها ، يقول الإمام محمد عبده : " كل ما يُعاب على المسلمين ليس من الإسلام ، وإنما هو شيء آخر سمّوه إسلاماً"(4) .
ويقول المفكر عمر عبيد حسنة : " هل أخطر من أن نأتي إلى صوَر من تخلفنا فنرفع فوقها شعارات لتصبح هي الإسلام ؟!"(5).
ويقول المفكر مالك بن نبي : " التخلف هو عقوبة إلهية أوقعها الإسلام بأتباعه جرّاء تخلّيهم عنه ، إن المسلمين تأخروا لأنهم تركوا الإسلام لا لأنهم تمسكوا به ، فحقّ عليهم قوله سبحانه : (( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى )) (6).
وقد نجح الإعلام الغربي – للأسف – باستغلال تخلف المسلمين فوظفه لصالح أطروحاته المعادية للإسلام والعرب .
ومن دعا الناسَ إلى ذمّهِ * * * ذمّوه بالحق وبالباطـل ِ(7)
مفردات التخلف
تشتبك في التخلف الأسباب والنتائج ، لتشكل دائرة معيبة تستلزم استنفار كل الطاقات لكسرها ، وأهم هذه المفردات :
1- جفاء القلم والقراءة ، وانحسار الوعي الحضاري والفقه السنني .
2- انطفاء فاعلية العقل المسلم ، وضعف توهّجه ، وإصابته بالجمود المؤدي للجحود ..
وتقديم عقلية الحفظ على التفكير ، واستبدال الارتجال بالتخطيط ، والتسويغ بالنقد والمراجعة والتوبة .
3- تبديد الوقت وعدم سماع خطوات الزمن الهارب، وإضاعة العمر العزيز في أعمال صغيرة أو تافهة!.
4- الكسل ، وعدم إتقان العمل ، والتطلّع إلى نتائج عظيمة من جهد يسير !.
5- تقديس الأشخاص والتعلق بهم دون المبادىء والأفكار،
و التركيز على الفرد المنقذ ، وغياب العمل المؤسسي المعتمد على الشورى والتكامل وعلى روح الفريق .
6- التعصب المذهبي المقيت البالغ حد الحمق! والتدين المغشوش ، والارتزاق بالدين ، وانتشار الأحاديث المكذوبة والقصص الخرافية والإسرائيليات ..
وانتشار الفوضى في الوعظ والتبليغ ! والابتداع في الدين ، مع ترك الإبداع في الدنيا !!.
7- ضعف الإحساس بالجمال والنظافة ، وضعف الشعور بالقانون والنظام وبالمسؤولية تجاه المجتمع .
8- اليأس القتّال والخور المميت ! وتمزق وحدة المسلمين ..
وظلماتٌ بعضها فوق بعض !
هذا هو مناخ التخلف الذي أناخ فوق صدر أمتنا ، فحجب الإسلام عن الأنام .
يقول الأفغاني : " أفضل وسيلة لإقناع الغربيين بالإسلام، أن نقنعهم أولاً بأننا لسنا مسلمين كما ينبغي" .
فيا عجباً لأمة (اقرأ) كيف خدّرها الجهل !
ويا عجباً لأمة (سورة الحديد) كيف أناخ بها الضعف !
ويا عجباً لأمة (سورة العصر) كيف رضيت أن تكون خارج العصر !
ويا عجباً لأمة تنام في النور ، ولأمم تستيقظ في الظلام !
بأيديهمُ نُوران ِ: ذكرٌ وسُنةٌ *** فما بالهمْ في أحلك الظلماتِ ! (8)
يقول الشاعر حافظ شيرازي : " نفسي متعبة من هذه الحال التي أناخت على أمتي فجعلت الأعداء يتزاحمون عليها ويجعلون أعزة أهلها أذلة ..
نفسي متعبة فأنا أرى كل هذا السوء يحط على أمتي وأنا وحدي لا أتمكّن من رفعه ولا أقدر على دفعه !
نفسي متعبة باكية ..ولكنْ هو ذا في الأفق البعيد، يلوح نور جديد ، يهدي الضالّ، ويُنهض الآمال"(9).
***
" من كتاب " ربحت محمّداً ولم أخسر المسيح
----------------------------
(1) مجلة الفيصل – العدد 130- عام 1987م .
(2) (السنة النبوية بين أهل الفقه وأهل الحديث) محمد الغزالي ص(137) .
(3) قرآن كريم (37/24) .
(4) (الإسلام والمسيحية مع العلم والمدنية) الإمام محمد عبده ص(115) .
(5) ( حتى يتحقق الشهود الحضاري ) عمرعبيد حسنة ص(115) .
(6) عن (الغزو الثقافي يمتد في فراغنا) للعلامة محمد الغزالي ص(74) .
(7) بيت الشعر لكعب بن زهير ، رضي الله عنه .
(8) بيت الشعر لأمير الشعراء أحمد شوقي .
(9) (حافظ شيرازي شاعر الغناء والغزل) د.ابراهيم الشواربي ص389