الشات والبالتوك فقاعات الشتات:
الحرب الباردة بين المسلمين على الإنترنت
تسنيم الريدي**
شهدت صفحات الإنترنت الشهور الماضية تزايدًا كبيرًا في عدد المواقع والمنتديات المهتمة بالحوار العقائدي بين الشباب السنة والشيعة خاصة بعد احتلال العراق، وزاد كثيرًا مع حرب لبنان الأخيرة؛ فالمطالع الجيد لهذه الصفحات بمختلف أساليبها لا بد أن يدرك سبل تعميق الحوار بينهما على هذا النحو، مع تراوح نتائجه بين الإيجابيات والسلبيات، إلا أنه من المطلوب لتوحيد الفكر الإسلامي أن يتم رصد ولادة هذا الحوار، وكيفية نشأته، ومراحل نموه.
فقد نجد العديد من المواقع المختصة بعرض الحقائق -من وجهة نظر القائمين عليها- سواء التي تدافع عن عقيدتها، أو التي تناظر عقيدة الطرف الآخر، أو التي تدعو للتقارب والحوار؛ إضافة إلى ملايين المنتديات التي تخصصت كليةً في هذا الشأن، أو التي اكتفت بتحديد قسم واحد للحوار بين الأعضاء والزوار السنة والشيعة.
كما أن هناك آلاف المجموعات البريدية التي تراسل الجميع، ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية على موقع اليوتيب وما يشبهه من مواقع أخرى، والذي يستقبل ملايين الزوار يوميا، وأخيرًا لم نكن نستطيع إلا أن نزور عشرات غرف الحوار والدردشة التي تهتم بهذا الشأن على الياهو أو البالتوك لنلتقي بهؤلاء الشباب السنة منهم والشيعة لنعرف منهم كيف كان الإنترنت وسيلة لالتقاء المسلمين السنة والشيعة.
بذاءة الأسلوب
بداية يقول محمود -26 عامًا- من السعودية: "في الحقيقة لقد مللت الصراعات بين الأعضاء السنة والأعضاء الشيعة عبر بعض المنتديات التي أشارك بها، وحاولت مرارًا أن أوجه رسالة إلى المتحاورين من الطرفين بأن يرحمونا من هذه الحقد والجو الملغوم؛ لأن بعضها يصل إلى شتائم وسب وكلام لا يليق بنا كمسلمين، بل وكثير من الأمور السيئة تمرر تحت عذر (سني وشيعي)؛ فالحوار بينهم يذكرني بالحرب الباردة بين روسيا وأمريكا حيث صارت ممارسات كثيرة وكلها تحت عذر أنهم أعداء وأن بينهم حربًا.
وكثير من السلف الصالح اعتزل هذه الفتنة وأعرض عنها؛ لأن العقلاء من الطرفين لا يزيدون النار سعيرًا، وأنا مقتنع أني كبشر لا أملك القدرة والمؤهل أن أحكم بينهم وأفصل بين الحقائق والمغلوطات، والأسوأ أن أغلب المتحاورين متمسكون بمذهبهم ولا يريدون البحث عن الحقيقة بقدر ما هم يريدون فقط إثبات صحة اعتقاداتهم، وهذا لن يوصلنا حتمًا إلى شيء سوى الفرقة".
أما فخر الأيوبي -31 عاما- من لبنان فيقول: "كنت أحد المشاركين في منتدى شيعي قبل نحو 5 سنوات، إلا أنني طردت منه عدة مرات لاعتراضي على شتمهم المتكرر لأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، كما أن المشرفين على الموقع منحازون بشكل فاضح، ولم أجد منهم منصفًا واحدًا.
فغالبًا ما كنت أطرح الأسئلة المتعلقة بالخلافات العقائدية بيننا وبين الشيعة وأنتظر الجواب عليها، أو كنت أسجل اعتراضي على إدارة الحوار أو الشتائم للمشاركين السنة أو للصحابة؛ فقد يتطرق الحوار غالبا إلى الحوار في التاريخ وهذا لب الخلاف.
وعموما فالحوار هو لغة القرآن، وهو الدعوة للحق وإقامة الحجة والبراهين، لكن ما كان يحدث في المنتديات الحوارية الشيعية أو السنية بخلاف ذلك؛ فكيف نتحاور مع فئة دينها التقية، أي ما يظهرونه لك يخالف ما يعتقدونه، هذه مشكلة ولا بد من التنبه لها في أي حوار مع الشيعة؛ فأحيانا الحوار لا يعد له هدف واضح".
وتتفق معه نهال -23 عاما- من قطر فتعقب قائلة: "بدأت المشاركة منذ 3 سنوات في بعض المنتديات التي تهتم بالحوار بين الشباب السنة والشيعي، لكني توقفت منذ شهور لأن الحوار سلبي للأسف؛ لأن معظم المتحاورين سواء سنة أو شيعة لا يفقهون فن الحوار، بالإضافة إلى أن كليهما لا يملك المعلومات الكافية عن مذهبه، كما أن الشباب الشيعي خلال الحوار يؤكد أن الشباب السنة هم مسلمون في الدنيا لكن في الآخرة عند الحساب هم كفرة، وكذلك السنة بعضهم بين التكفير الصريح للشيعة خلال النقاش وهذا كاف لإغلاقه، والبعض الآخر يرون أنهم مسلمون جاهلون بالإسلام، كذلك لا أنكر أن الشيعة في الغالب يزورون المواقع والمنتديات السنية لتسجيل شتائمهم، لكن إن ظهر منهم باحث عن الحق فإن الطريقة السيئة التي يستقبل بها من جانب بعض السنة كفيلة بتطفيشه!!.
دعاة لا قضاة
أما أحمد -19 سنة- من مصر فيقول: "أؤيد الحوار السني الشيعي على مستوى العلماء وقادة الرأي، وليس دون ذلك حتى لا يأتي الحوار بنتائج سلبية، ولا أرى الإنترنت وسيلة مناسبة للحوار عمومًا؛ فهو يترك مجالاً شاسعًا لتعميق الفجوة وغير مناسب على الإطلاق لحوار يتسم بالدقة والحساسية بين السنة والشيعة.
ولا أنكر أن هذه النقاشات قد لاقت مساحات كبيرة على مواقع الإنترنت؛ لأن هذا الحوار بين الشباب السنة والشيعة يستهوي الشباب، خاصة بعد حرب لبنان الأخيرة؛ لأن قضية الشيعة أصبحت تمثل لهم عالما مجهولا.
وإن كان لا بد من هذا الحوار عبر الإنترنت فأرى أنه يجب أن يجتمع الشباب السني والشباب الشيعي على هموم مشتركة ومصير مشترك وعدو مشترك؛ لأن البحث عن الاختلاف سهل ويمكن إيجاده بين الابن وابنه فكيف بنا بالمذهب الشيعي والمذهب السني، وعمومًا أعتقد أن أوجه الخلاف دائما تتقدم الحوار سواء السني الشيعي أو غيره، خاصة أن كلا طرفي الحوار ينظر للآخر على أنه ند".
نلتقي لنرتـقي
ويتفق معه ماجد العلوي -25 عاما- من البحرين؛ مضيفًا: "أهتم عبر منتداي بمتابعته بشكل مستمر، وقمت بتعيين عدة مشرفين لكي يكونوا عونا لي في متابعة الموضوعات المنشورة، وذلك لتفادي سبل النقاش الحاد بيننا وأهل السنة بما لا يؤدي للحق، وأرحب كثيرًا بالزوار من شباب أهل السنة الذين يتمسكون بآداب الحوار والنقاش. وهناك بعض المجالات التي تعمق الحوار بين الشباب الشيعة والشباب السنة عبر الإنترنت والتي نحاول أن نركن إليها خلال الحوار لتوحيد الصفوف، كأن يكون بيننا وبينهم جبهة دفاع موحدة ضد قوى الكفر والطغيان، ومن يرفض هذا الرأي لاعتبارات مجزأة فهو مخطئ ويضر بوضع الأمة الإسلامية كأمة؛ إذ إن القوى المعادية للإسلام جملة وتفصيلا لن يهدأ لها بال حتى تمزق الأمة الإسلامية وتجعلها متناحرة وتعيدها لعصر الجاهلية الأولى، بالإضافة إلى التركيز على القواسم المشتركة بيننا سواء الدينية أو الدنيوية سواء السياسية أو التداخل الاجتماعي أو الاقتصادي وغير ذلك".
دعوة للإسلام!
وتقول لينة مصطفى -24 سنة- من الإمارات: "أعتقد أنه من الصعب تعميق الحوار السني الشيعي بين الشباب عبر الإنترنت؛ لأن كلا منهما لن يتقبل الآخر إلا إذا تعـَـلمـَـنوا!!، وحوار معظم الشباب على الإنترنت خاصة السنة منهم هو دعوة الشيعة إلى الإسلام!".
وحذرت إباء من سوريا -21 عاما- من مخاطر الحوار على الإنترنت: "خلال مشاركتي عبر الإنترنت أعتقد أنه ساحة مفتوحة عرضة للتدخلات الخارجية والعبث فيها. وتختلف عادة نسب المشاركة على حسب البيئة؛ فأهلنا في الخليج ولبنان والعراق يكثر عندهم هذا النوع من الحوارات؛ نظرا لأن تمركز الشيعة في الخليج ولبنان والعراق، أما أهلنا في بلاد الشام ومصر ودول المغرب العربي فتكثر عادة حواراتهم مع النصارى أو الاهتمام بقضايا الأمة الأخرى".
وعن سبل مواجهة الاختلاف بين السنة والشيعة خلال نقاشاتهم المطروحة على الإنترنت تضيف إباء قائلة: "كل حسب علمه وخلقه وتقواه وتربيته وصدقه مع الله تبارك تعالى فتارة بالرد العلمي مع حسن الخلق وتارة بالرد العلمي مع سوء الأدب أو مصحوبا بالاستفزاز وتارة بالشتائم وتارة بالتعيير غير الحسن؛ فالبعض من الطرفين قد ينتبه لما يحاك للمسلمين في الظلام وأن يوازن بين الأمور، ويتخير الأوقات المناسبة للحوار، وعمومًا يجب على الجميع أن يقسطوا ولا يعمموا".
تجربة حوار "المسلمين"
وأخيرًا يوضح وائل عواد -28 سنة مشرف منتدى سبيلي للحوار- المختص بالحوار السني الشيعي رأيه فيقول: "كنت كثير الاحتكاك بالشيعة فترة إقامتي في العراق، حيث عاشرتهم عن قرب، وعرفت ما هي الأمور الداخلة في العقائد عندهم وكذلك العادات والعواطف والعوامل الرئيسية المؤثرة على نمط تفكيرهم، وبعد خروجي من العراق اتجهت إلى الإنترنت للتحاور معهم، أنشأنا منتدى خاصا بي لأجل ذلك. والحوار الذي أتبعه يكون عادة ليس بين سني وشيعي يريد كل منا أن ينتصر لحزبه، ولكن بين مسلم ومسلم كل منهما يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لأن المسميات تلعب دورا كبيرا في التعصب لدى الإنسان عموما؛ فالمشاركات كانت في أغلبها دعوية كدعوتهم للحوار الهادئ وفقا للمنهج العلمي الهادف المقسط، وأحيانا تكون ردودًا علمية على بعض الشبهات المثارة حول الصحابة رضي الله عنهم".
الحكمة والقسط
وعن مدى إيمانه بتعميق الحوار السني الشيعي عبر الإنترنت يضيف وائل قائلاً: يجب أن نؤمن بالحوار السني الشيعي بضوابط، ولا داعي للدخول في تفصيل المفصّل، وما سكت عنه الشرع مثال ذلك: المفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم فليست هذه قضيتنا فإن أقروا بفضل الصحابة الكرام ولكنهم فضلوا سيدنا علي -رضي الله عنه- عليهم، فهنا انتهى الخلاف في هذه الجزئية بيننا فالمفاضلة الفصلية لله وحده يوم الفصل، وعادة ما تكون المفاضلة مدعاة للشحناء.
وعبر منتداي أحاول أن أزرع بينهم أنه ينبغي علينا أن ننصف ونقسط في التعامل مع الآخرين، فينبغي ألا نعتبر بالمثل المرفوض شرعا والقائل "الحسنة تخص والسيئة تعم". ويجب ألا نعمم فإن وجدنا شيعة فعلوا قبيحا في أهل السنة في مكان معين، فلا يعني هذا أن كل الشيعة موافقون على ذلك بل نعرف من يتصدى لهم، وكذلك الحال عند أهل السنة فلا ننفي أيضا أن هناك غلاة من أهل السنة قد اعتدوا حتى على أهل السنة فكيف بغيرهم؟ ولكن هذا لا يعني موافقة جمهور أهل السنة على أفعالهم.
ويجب أن تكون ثمة أسس نبني عليها الحوار، وأن تعلو روح الصدق في الحوار ومن هذه الأسس القرآن الكريم فإن القرآن الكريم كفيل بأن يجمع الأطراف على الحق.
حوار سطحي عقيم!
حملنا هذه التعليقات والآراء إلى فتحي عبد الستار -مدير تحرير النطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين- والذي علّق عليها بقوله: "بناء على خبرتي الشخصية في هذا الأمر من خلال محاورات في غرف الحوار السني الشيعي أستطيع أن أقول إن الحوار الدائر عبر الإنترنت بين الشباب السني الشيعي هو حوار سطحي وعقيم ولا يجني فوائد، بل يعمق سلبيات؛ وذلك لأن هذه الحوارات التي تجري تتسم بالعاطفية والانفعال وضحالة العلم.
فمعظم المشاركين فيها من غير المتخصصين، كما أنهم ليس عندهم استعداد للتفهم والاقتناع؛ فهم يدخلون الحوار بنية التغلب على المحاور وإقناعه، وليس بهدف الوصول للحق أو لنقط الاتفاق، بل يحاول كل طرف استغلال جهل الطرف الآخر بمذهبه أو بالمذهبين معا ليبث أفكارًا معظمها يكون مشوشًا وغير حقيقي، بهدف تشكيك الآخر في انتمائه المذهبي أو تقريبه إلى المذهب الآخر.
وبالطبع لا يخلو الأمر من تجاوزات أخلاقية تتنافى مع أدب الحوار من بعض المشاركين أحيانا، كما قد يكون هناك بعض الخداع كما يحدث في غرف الحوار الإسلامي المسيحي، من تمثيل البعض وادعائهم التحول من مذهب لآخر كذبا، محاولين بذلك التأثير على أصحاب المذهب المخالف".
البروز الشيعي السياسي
وعن سبب اتجاه الشباب السني لمحاوره الشباب الشيعي عبر الإنترنت تحديدا؛ يوضح فتحي عبد الستار: "يعطي الإنترنت الحرية في أن يقول ما يشاء دون رقيب أو حسيب، كما أنه يمكنه من خلاله التخفي وانتحال شخصيات غير حقيقية؛ وهو ما يفقد هذا الحوار الكثير من مصداقيته، والمقصود هنا المنتديات الشبابية الحرة وغرف الدردشة التي لا تخضع لإشراف من الهيئات والمؤسسات العلمية، وكذلك بعض المواقع الأخرى مثل شبكة الدفاع عن أهل السنة وأمثالها، هدفها كما هو ظاهر من اسمها ليس تقريبيا أو حواريا وإنما محاولة للدفاع عن المذهب، ومهاجمة المذهب الآخر.
وقد زادت الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ عدد المواقع والمنتديات المهتمة بهذا الشأن والتي أصبحت متاحة وفعالة على المستوى الشكلي وليس على مستوى تحقيق نتائج، ولكن أكثرها تفاعلاً غرف الحوار مثل البالتوك، حيث تقوم على الحوار المباشر وتتميز بالسهولة وقدرة الجميع على المشاركة فيها، وقد زادت نظرا لبروز الشيعة سياسيا وارتفاع نجمهم في الفترة الأخيرة من خلال إيران، وما قام به حزب الله في حرب لبنان، وتولي الشيعة السلطة بعد سقوط النظام العراقي، كل هذا جعل البعض يخشى من المد الشيعي في المنطقة وبدأ يحاول مهاجمته ووقفه.
ومن ناحية الشيعة، فإنهم على مر التاريخ يشعرون بالاضطهاد والظلم، جانحون للثورة على الأنظمة، فلما قامت لهم دولة، بل دول، وظهرت لهم تجمعات وأحزاب قوية رأوا أن من حقهم نشر مذهبهم واستغلال رياح الحرية التي أتيحت لهم".
بين الإيجابيات والسلبيات
وعن إيجابيات هذا الحوار السني الشيعي وسلبياته يشير فتحي عبد الستار: "هذه الحوارات ذات حدين، فقد تحفز على التعلم والبحث وتثير شغف الإنسان للمعرفة والاطلاع؛ وهو ما قد يغير بعض القناعات السلبية لدى الطرفين أو يثبت عنده بعض المفاهيم، وقد يحدث العكس، حيث إنها قد تسبب تشويشًا على العقل والفكر بل والعقيدة نفسها، وبالفعل يستغل غير المسلمين أمثال هذه الخلافات بين السنة والشيعة للنيل من الإسلام ذاته.
ومن إيجابياتها -إن كانت جادة- تقريب العقول وتوحيد الأهداف لو أحسن استثمارها في الوقوف على نقاط الاتفاق وتجاوز نقاط الخلاف؛ وهو ما يؤدي إلى تقوية شوكة الأمة الإسلامية بجناحيها السني والشيعي.
ومن سلبياتها التشويش والحيرة التي تحدث للشباب غير المؤهلين لمثل هذه النقاشات والحوارات، وما يعكسه على معتقداتهم وسلوكياتهم، ثم تأتي الفرقة والتنابذ نتيجة التعصب للمذهب وما يحدث بين الشباب من سباب ولمز؛ وهو ما يعمق الخلافات ويوسع الهوة بين الفريقين، مع استغلال أعداء الإسلام لهذه الحوارات غير الإيجابية للنيل من الإسلام نفسه بإظهار المسلمين في صورة منفرة".
** صحفية مصرية. المصدر: وسطية أون لاين
الحرب الباردة بين المسلمين على الإنترنت
تسنيم الريدي**
شهدت صفحات الإنترنت الشهور الماضية تزايدًا كبيرًا في عدد المواقع والمنتديات المهتمة بالحوار العقائدي بين الشباب السنة والشيعة خاصة بعد احتلال العراق، وزاد كثيرًا مع حرب لبنان الأخيرة؛ فالمطالع الجيد لهذه الصفحات بمختلف أساليبها لا بد أن يدرك سبل تعميق الحوار بينهما على هذا النحو، مع تراوح نتائجه بين الإيجابيات والسلبيات، إلا أنه من المطلوب لتوحيد الفكر الإسلامي أن يتم رصد ولادة هذا الحوار، وكيفية نشأته، ومراحل نموه.
فقد نجد العديد من المواقع المختصة بعرض الحقائق -من وجهة نظر القائمين عليها- سواء التي تدافع عن عقيدتها، أو التي تناظر عقيدة الطرف الآخر، أو التي تدعو للتقارب والحوار؛ إضافة إلى ملايين المنتديات التي تخصصت كليةً في هذا الشأن، أو التي اكتفت بتحديد قسم واحد للحوار بين الأعضاء والزوار السنة والشيعة.
كما أن هناك آلاف المجموعات البريدية التي تراسل الجميع، ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية على موقع اليوتيب وما يشبهه من مواقع أخرى، والذي يستقبل ملايين الزوار يوميا، وأخيرًا لم نكن نستطيع إلا أن نزور عشرات غرف الحوار والدردشة التي تهتم بهذا الشأن على الياهو أو البالتوك لنلتقي بهؤلاء الشباب السنة منهم والشيعة لنعرف منهم كيف كان الإنترنت وسيلة لالتقاء المسلمين السنة والشيعة.
بذاءة الأسلوب
بداية يقول محمود -26 عامًا- من السعودية: "في الحقيقة لقد مللت الصراعات بين الأعضاء السنة والأعضاء الشيعة عبر بعض المنتديات التي أشارك بها، وحاولت مرارًا أن أوجه رسالة إلى المتحاورين من الطرفين بأن يرحمونا من هذه الحقد والجو الملغوم؛ لأن بعضها يصل إلى شتائم وسب وكلام لا يليق بنا كمسلمين، بل وكثير من الأمور السيئة تمرر تحت عذر (سني وشيعي)؛ فالحوار بينهم يذكرني بالحرب الباردة بين روسيا وأمريكا حيث صارت ممارسات كثيرة وكلها تحت عذر أنهم أعداء وأن بينهم حربًا.
وكثير من السلف الصالح اعتزل هذه الفتنة وأعرض عنها؛ لأن العقلاء من الطرفين لا يزيدون النار سعيرًا، وأنا مقتنع أني كبشر لا أملك القدرة والمؤهل أن أحكم بينهم وأفصل بين الحقائق والمغلوطات، والأسوأ أن أغلب المتحاورين متمسكون بمذهبهم ولا يريدون البحث عن الحقيقة بقدر ما هم يريدون فقط إثبات صحة اعتقاداتهم، وهذا لن يوصلنا حتمًا إلى شيء سوى الفرقة".
أما فخر الأيوبي -31 عاما- من لبنان فيقول: "كنت أحد المشاركين في منتدى شيعي قبل نحو 5 سنوات، إلا أنني طردت منه عدة مرات لاعتراضي على شتمهم المتكرر لأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة رضي الله عنهم أجمعين، كما أن المشرفين على الموقع منحازون بشكل فاضح، ولم أجد منهم منصفًا واحدًا.
فغالبًا ما كنت أطرح الأسئلة المتعلقة بالخلافات العقائدية بيننا وبين الشيعة وأنتظر الجواب عليها، أو كنت أسجل اعتراضي على إدارة الحوار أو الشتائم للمشاركين السنة أو للصحابة؛ فقد يتطرق الحوار غالبا إلى الحوار في التاريخ وهذا لب الخلاف.
وعموما فالحوار هو لغة القرآن، وهو الدعوة للحق وإقامة الحجة والبراهين، لكن ما كان يحدث في المنتديات الحوارية الشيعية أو السنية بخلاف ذلك؛ فكيف نتحاور مع فئة دينها التقية، أي ما يظهرونه لك يخالف ما يعتقدونه، هذه مشكلة ولا بد من التنبه لها في أي حوار مع الشيعة؛ فأحيانا الحوار لا يعد له هدف واضح".
وتتفق معه نهال -23 عاما- من قطر فتعقب قائلة: "بدأت المشاركة منذ 3 سنوات في بعض المنتديات التي تهتم بالحوار بين الشباب السنة والشيعي، لكني توقفت منذ شهور لأن الحوار سلبي للأسف؛ لأن معظم المتحاورين سواء سنة أو شيعة لا يفقهون فن الحوار، بالإضافة إلى أن كليهما لا يملك المعلومات الكافية عن مذهبه، كما أن الشباب الشيعي خلال الحوار يؤكد أن الشباب السنة هم مسلمون في الدنيا لكن في الآخرة عند الحساب هم كفرة، وكذلك السنة بعضهم بين التكفير الصريح للشيعة خلال النقاش وهذا كاف لإغلاقه، والبعض الآخر يرون أنهم مسلمون جاهلون بالإسلام، كذلك لا أنكر أن الشيعة في الغالب يزورون المواقع والمنتديات السنية لتسجيل شتائمهم، لكن إن ظهر منهم باحث عن الحق فإن الطريقة السيئة التي يستقبل بها من جانب بعض السنة كفيلة بتطفيشه!!.
دعاة لا قضاة
أما أحمد -19 سنة- من مصر فيقول: "أؤيد الحوار السني الشيعي على مستوى العلماء وقادة الرأي، وليس دون ذلك حتى لا يأتي الحوار بنتائج سلبية، ولا أرى الإنترنت وسيلة مناسبة للحوار عمومًا؛ فهو يترك مجالاً شاسعًا لتعميق الفجوة وغير مناسب على الإطلاق لحوار يتسم بالدقة والحساسية بين السنة والشيعة.
ولا أنكر أن هذه النقاشات قد لاقت مساحات كبيرة على مواقع الإنترنت؛ لأن هذا الحوار بين الشباب السنة والشيعة يستهوي الشباب، خاصة بعد حرب لبنان الأخيرة؛ لأن قضية الشيعة أصبحت تمثل لهم عالما مجهولا.
وإن كان لا بد من هذا الحوار عبر الإنترنت فأرى أنه يجب أن يجتمع الشباب السني والشباب الشيعي على هموم مشتركة ومصير مشترك وعدو مشترك؛ لأن البحث عن الاختلاف سهل ويمكن إيجاده بين الابن وابنه فكيف بنا بالمذهب الشيعي والمذهب السني، وعمومًا أعتقد أن أوجه الخلاف دائما تتقدم الحوار سواء السني الشيعي أو غيره، خاصة أن كلا طرفي الحوار ينظر للآخر على أنه ند".
نلتقي لنرتـقي
ويتفق معه ماجد العلوي -25 عاما- من البحرين؛ مضيفًا: "أهتم عبر منتداي بمتابعته بشكل مستمر، وقمت بتعيين عدة مشرفين لكي يكونوا عونا لي في متابعة الموضوعات المنشورة، وذلك لتفادي سبل النقاش الحاد بيننا وأهل السنة بما لا يؤدي للحق، وأرحب كثيرًا بالزوار من شباب أهل السنة الذين يتمسكون بآداب الحوار والنقاش. وهناك بعض المجالات التي تعمق الحوار بين الشباب الشيعة والشباب السنة عبر الإنترنت والتي نحاول أن نركن إليها خلال الحوار لتوحيد الصفوف، كأن يكون بيننا وبينهم جبهة دفاع موحدة ضد قوى الكفر والطغيان، ومن يرفض هذا الرأي لاعتبارات مجزأة فهو مخطئ ويضر بوضع الأمة الإسلامية كأمة؛ إذ إن القوى المعادية للإسلام جملة وتفصيلا لن يهدأ لها بال حتى تمزق الأمة الإسلامية وتجعلها متناحرة وتعيدها لعصر الجاهلية الأولى، بالإضافة إلى التركيز على القواسم المشتركة بيننا سواء الدينية أو الدنيوية سواء السياسية أو التداخل الاجتماعي أو الاقتصادي وغير ذلك".
دعوة للإسلام!
وتقول لينة مصطفى -24 سنة- من الإمارات: "أعتقد أنه من الصعب تعميق الحوار السني الشيعي بين الشباب عبر الإنترنت؛ لأن كلا منهما لن يتقبل الآخر إلا إذا تعـَـلمـَـنوا!!، وحوار معظم الشباب على الإنترنت خاصة السنة منهم هو دعوة الشيعة إلى الإسلام!".
وحذرت إباء من سوريا -21 عاما- من مخاطر الحوار على الإنترنت: "خلال مشاركتي عبر الإنترنت أعتقد أنه ساحة مفتوحة عرضة للتدخلات الخارجية والعبث فيها. وتختلف عادة نسب المشاركة على حسب البيئة؛ فأهلنا في الخليج ولبنان والعراق يكثر عندهم هذا النوع من الحوارات؛ نظرا لأن تمركز الشيعة في الخليج ولبنان والعراق، أما أهلنا في بلاد الشام ومصر ودول المغرب العربي فتكثر عادة حواراتهم مع النصارى أو الاهتمام بقضايا الأمة الأخرى".
وعن سبل مواجهة الاختلاف بين السنة والشيعة خلال نقاشاتهم المطروحة على الإنترنت تضيف إباء قائلة: "كل حسب علمه وخلقه وتقواه وتربيته وصدقه مع الله تبارك تعالى فتارة بالرد العلمي مع حسن الخلق وتارة بالرد العلمي مع سوء الأدب أو مصحوبا بالاستفزاز وتارة بالشتائم وتارة بالتعيير غير الحسن؛ فالبعض من الطرفين قد ينتبه لما يحاك للمسلمين في الظلام وأن يوازن بين الأمور، ويتخير الأوقات المناسبة للحوار، وعمومًا يجب على الجميع أن يقسطوا ولا يعمموا".
تجربة حوار "المسلمين"
وأخيرًا يوضح وائل عواد -28 سنة مشرف منتدى سبيلي للحوار- المختص بالحوار السني الشيعي رأيه فيقول: "كنت كثير الاحتكاك بالشيعة فترة إقامتي في العراق، حيث عاشرتهم عن قرب، وعرفت ما هي الأمور الداخلة في العقائد عندهم وكذلك العادات والعواطف والعوامل الرئيسية المؤثرة على نمط تفكيرهم، وبعد خروجي من العراق اتجهت إلى الإنترنت للتحاور معهم، أنشأنا منتدى خاصا بي لأجل ذلك. والحوار الذي أتبعه يكون عادة ليس بين سني وشيعي يريد كل منا أن ينتصر لحزبه، ولكن بين مسلم ومسلم كل منهما يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- لأن المسميات تلعب دورا كبيرا في التعصب لدى الإنسان عموما؛ فالمشاركات كانت في أغلبها دعوية كدعوتهم للحوار الهادئ وفقا للمنهج العلمي الهادف المقسط، وأحيانا تكون ردودًا علمية على بعض الشبهات المثارة حول الصحابة رضي الله عنهم".
الحكمة والقسط
وعن مدى إيمانه بتعميق الحوار السني الشيعي عبر الإنترنت يضيف وائل قائلاً: يجب أن نؤمن بالحوار السني الشيعي بضوابط، ولا داعي للدخول في تفصيل المفصّل، وما سكت عنه الشرع مثال ذلك: المفاضلة بين الصحابة رضي الله عنهم فليست هذه قضيتنا فإن أقروا بفضل الصحابة الكرام ولكنهم فضلوا سيدنا علي -رضي الله عنه- عليهم، فهنا انتهى الخلاف في هذه الجزئية بيننا فالمفاضلة الفصلية لله وحده يوم الفصل، وعادة ما تكون المفاضلة مدعاة للشحناء.
وعبر منتداي أحاول أن أزرع بينهم أنه ينبغي علينا أن ننصف ونقسط في التعامل مع الآخرين، فينبغي ألا نعتبر بالمثل المرفوض شرعا والقائل "الحسنة تخص والسيئة تعم". ويجب ألا نعمم فإن وجدنا شيعة فعلوا قبيحا في أهل السنة في مكان معين، فلا يعني هذا أن كل الشيعة موافقون على ذلك بل نعرف من يتصدى لهم، وكذلك الحال عند أهل السنة فلا ننفي أيضا أن هناك غلاة من أهل السنة قد اعتدوا حتى على أهل السنة فكيف بغيرهم؟ ولكن هذا لا يعني موافقة جمهور أهل السنة على أفعالهم.
ويجب أن تكون ثمة أسس نبني عليها الحوار، وأن تعلو روح الصدق في الحوار ومن هذه الأسس القرآن الكريم فإن القرآن الكريم كفيل بأن يجمع الأطراف على الحق.
حوار سطحي عقيم!
حملنا هذه التعليقات والآراء إلى فتحي عبد الستار -مدير تحرير النطاق الدعوي بشبكة إسلام أون لاين- والذي علّق عليها بقوله: "بناء على خبرتي الشخصية في هذا الأمر من خلال محاورات في غرف الحوار السني الشيعي أستطيع أن أقول إن الحوار الدائر عبر الإنترنت بين الشباب السني الشيعي هو حوار سطحي وعقيم ولا يجني فوائد، بل يعمق سلبيات؛ وذلك لأن هذه الحوارات التي تجري تتسم بالعاطفية والانفعال وضحالة العلم.
فمعظم المشاركين فيها من غير المتخصصين، كما أنهم ليس عندهم استعداد للتفهم والاقتناع؛ فهم يدخلون الحوار بنية التغلب على المحاور وإقناعه، وليس بهدف الوصول للحق أو لنقط الاتفاق، بل يحاول كل طرف استغلال جهل الطرف الآخر بمذهبه أو بالمذهبين معا ليبث أفكارًا معظمها يكون مشوشًا وغير حقيقي، بهدف تشكيك الآخر في انتمائه المذهبي أو تقريبه إلى المذهب الآخر.
وبالطبع لا يخلو الأمر من تجاوزات أخلاقية تتنافى مع أدب الحوار من بعض المشاركين أحيانا، كما قد يكون هناك بعض الخداع كما يحدث في غرف الحوار الإسلامي المسيحي، من تمثيل البعض وادعائهم التحول من مذهب لآخر كذبا، محاولين بذلك التأثير على أصحاب المذهب المخالف".
البروز الشيعي السياسي
وعن سبب اتجاه الشباب السني لمحاوره الشباب الشيعي عبر الإنترنت تحديدا؛ يوضح فتحي عبد الستار: "يعطي الإنترنت الحرية في أن يقول ما يشاء دون رقيب أو حسيب، كما أنه يمكنه من خلاله التخفي وانتحال شخصيات غير حقيقية؛ وهو ما يفقد هذا الحوار الكثير من مصداقيته، والمقصود هنا المنتديات الشبابية الحرة وغرف الدردشة التي لا تخضع لإشراف من الهيئات والمؤسسات العلمية، وكذلك بعض المواقع الأخرى مثل شبكة الدفاع عن أهل السنة وأمثالها، هدفها كما هو ظاهر من اسمها ليس تقريبيا أو حواريا وإنما محاولة للدفاع عن المذهب، ومهاجمة المذهب الآخر.
وقد زادت الفترة الأخيرة بشكل ملحوظ عدد المواقع والمنتديات المهتمة بهذا الشأن والتي أصبحت متاحة وفعالة على المستوى الشكلي وليس على مستوى تحقيق نتائج، ولكن أكثرها تفاعلاً غرف الحوار مثل البالتوك، حيث تقوم على الحوار المباشر وتتميز بالسهولة وقدرة الجميع على المشاركة فيها، وقد زادت نظرا لبروز الشيعة سياسيا وارتفاع نجمهم في الفترة الأخيرة من خلال إيران، وما قام به حزب الله في حرب لبنان، وتولي الشيعة السلطة بعد سقوط النظام العراقي، كل هذا جعل البعض يخشى من المد الشيعي في المنطقة وبدأ يحاول مهاجمته ووقفه.
ومن ناحية الشيعة، فإنهم على مر التاريخ يشعرون بالاضطهاد والظلم، جانحون للثورة على الأنظمة، فلما قامت لهم دولة، بل دول، وظهرت لهم تجمعات وأحزاب قوية رأوا أن من حقهم نشر مذهبهم واستغلال رياح الحرية التي أتيحت لهم".
بين الإيجابيات والسلبيات
وعن إيجابيات هذا الحوار السني الشيعي وسلبياته يشير فتحي عبد الستار: "هذه الحوارات ذات حدين، فقد تحفز على التعلم والبحث وتثير شغف الإنسان للمعرفة والاطلاع؛ وهو ما قد يغير بعض القناعات السلبية لدى الطرفين أو يثبت عنده بعض المفاهيم، وقد يحدث العكس، حيث إنها قد تسبب تشويشًا على العقل والفكر بل والعقيدة نفسها، وبالفعل يستغل غير المسلمين أمثال هذه الخلافات بين السنة والشيعة للنيل من الإسلام ذاته.
ومن إيجابياتها -إن كانت جادة- تقريب العقول وتوحيد الأهداف لو أحسن استثمارها في الوقوف على نقاط الاتفاق وتجاوز نقاط الخلاف؛ وهو ما يؤدي إلى تقوية شوكة الأمة الإسلامية بجناحيها السني والشيعي.
ومن سلبياتها التشويش والحيرة التي تحدث للشباب غير المؤهلين لمثل هذه النقاشات والحوارات، وما يعكسه على معتقداتهم وسلوكياتهم، ثم تأتي الفرقة والتنابذ نتيجة التعصب للمذهب وما يحدث بين الشباب من سباب ولمز؛ وهو ما يعمق الخلافات ويوسع الهوة بين الفريقين، مع استغلال أعداء الإسلام لهذه الحوارات غير الإيجابية للنيل من الإسلام نفسه بإظهار المسلمين في صورة منفرة".
** صحفية مصرية. المصدر: وسطية أون لاين