الإسلام.. النموذج المقاوم المدهش
د. محمد عمارة
لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا.. أحله محل الشيوعية، فور سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في مطلع سنة 1991م؟!..
إننا بحاجة إلى "شهادة غربية" تجيب لنا على هذا السؤال.. ولقد تكفلت المجلة الإنجليزية الرصينة ـ (شئون دولية) ـ التي تصدر عن جامعة "كمبردج" ـ في عدد يناير سنة 1991م ـ بالإجابة على هذا السؤال ـ وذلك من خلال "الملف الذي نُشرت به دراستان عن "الإسلام والمسيحية" و"الإسلام والماركسية" كتبهما اثنان من علماء الاجتماع الإنجليز: "إدوارد مورتيمر" و"إرنست جيلز".. وفي هاتين الدراستين.. وجوابًا عن سؤال: لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا، فور سقوط الشيوعية؟.. قالت المجلة: "لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي. وبالنسبة لهذا الفرض فإن الإسلام جاهز في المتناول!..
إن أوربيين كثيرين يتساءلون عما إذا كان من الممكن جعل الإسلام يقبل بقواعد المجتمع العلماني مثلما فعلت المسيحية، بعد صراعات كثيرة وطويلة ومؤلمة؟. أم أن رسوخ الإسلام في المجال السياسي والاجتماعي يجعله يرفض القبول بالمبدأ المسيحي/ الغربي الذي يميز بين ما لله وما لقيصر، وبما لا يسمح لمعتنقيه أن يصبحوا مواطنين خاضعين للقانون بصورة يقول عليها في ديمقراطية علمانية؟
إن النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع، والتي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يقوض الإيمان الديني، صالحة على العموم.. لقد تناقص التأثير السياسي والسيكلوجي للدين، عمليًا، في كل المجتمعات، وبدرجات متفاوتة، وأشكال مختلفة.. لكن عالم الإسلام استثناء مدهش وتام جدًا من هذا!..
فلم تتم أي علمنة في عالم الإسلام.. إن سيطرة الإسلام على المؤمنين به هي سيطرة قوية، وهي بطريقة ما أقوى الآن عما كانت من مائة سنة مضت. إن الإسلام مقاوم للعلمنة.. والأمر المدهش هو أن هذا يظل صحيحًا في ظل مجموعة مختلفة من النظم السياسية، فهو صحيح في ظل نظم راديكالية اجتماعيًا، وهو صحيح أيضًا في ظل النظم التقليدية.. وهو صحيح بالنسبة إلى النظم التي تقف بين النوعين.
إن وجود تقاليد محلية للإسلام.. قد مكّن العالم الإسلام من أن يفلت من المعضلة التي أرقت مجتمعات أخرى أثار الغرب فيها الاضطراب والإذلال.. معضلة إضفاء الطابع المثالي على الغرب، ومحاكمات.. لقد امتلك الإسلام مقومات الإصلاح الذاتي باسم الإيمان المحلي، وذلك هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة للعلمنة..
إن الإسلام، من بين الثقافات الموجودة في الجنوب، هو الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة، ليس لسبب سوى أنه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحد فعلي وحقيقي لمجتماعات يسودها مذهب اللا إدارية وفتور الهمة واللامبالاة، وهي آفات من شأنها أن تؤدي إلى هلاك تلك المجتمعات ماديًا، فضلاً عن هلاكها المعنوي"..
هكذا طرحت المجلة البريطانية السؤال: لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا أحله محل العدو الشيوعي؟ وهكذا جاء الجواب:
إن امتلاك الإسلام لمقومات الإصلاح الذاتي ـ المؤمنة ـ قد جعله مستعصيا على العلمنة ـ التي يريد الغرب فرضها عليه، كما سبق وفرضها على المسيحية ـ .. ولذلك استعصى الإسلام على أن يقف ذليلاً أمام النموذج الغربي في التقدم.. نموذج التقدم العلماني، وتهميش الدين.. فظل أقوى في قلوب أبنائه بشكل مدهش جدًا، رغم محاولات العلمنة والتغريب!
_________
المصدر: جريدة المصريون
د. محمد عمارة
لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا.. أحله محل الشيوعية، فور سقوط الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في مطلع سنة 1991م؟!..
إننا بحاجة إلى "شهادة غربية" تجيب لنا على هذا السؤال.. ولقد تكفلت المجلة الإنجليزية الرصينة ـ (شئون دولية) ـ التي تصدر عن جامعة "كمبردج" ـ في عدد يناير سنة 1991م ـ بالإجابة على هذا السؤال ـ وذلك من خلال "الملف الذي نُشرت به دراستان عن "الإسلام والمسيحية" و"الإسلام والماركسية" كتبهما اثنان من علماء الاجتماع الإنجليز: "إدوارد مورتيمر" و"إرنست جيلز".. وفي هاتين الدراستين.. وجوابًا عن سؤال: لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا، فور سقوط الشيوعية؟.. قالت المجلة: "لقد شعر الكثيرون بالحاجة إلى اكتشاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي. وبالنسبة لهذا الفرض فإن الإسلام جاهز في المتناول!..
إن أوربيين كثيرين يتساءلون عما إذا كان من الممكن جعل الإسلام يقبل بقواعد المجتمع العلماني مثلما فعلت المسيحية، بعد صراعات كثيرة وطويلة ومؤلمة؟. أم أن رسوخ الإسلام في المجال السياسي والاجتماعي يجعله يرفض القبول بالمبدأ المسيحي/ الغربي الذي يميز بين ما لله وما لقيصر، وبما لا يسمح لمعتنقيه أن يصبحوا مواطنين خاضعين للقانون بصورة يقول عليها في ديمقراطية علمانية؟
إن النظرية التي يعتنقها علماء الاجتماع، والتي تقول: إن المجتمع الصناعي والعلمي الحديث يقوض الإيمان الديني، صالحة على العموم.. لقد تناقص التأثير السياسي والسيكلوجي للدين، عمليًا، في كل المجتمعات، وبدرجات متفاوتة، وأشكال مختلفة.. لكن عالم الإسلام استثناء مدهش وتام جدًا من هذا!..
فلم تتم أي علمنة في عالم الإسلام.. إن سيطرة الإسلام على المؤمنين به هي سيطرة قوية، وهي بطريقة ما أقوى الآن عما كانت من مائة سنة مضت. إن الإسلام مقاوم للعلمنة.. والأمر المدهش هو أن هذا يظل صحيحًا في ظل مجموعة مختلفة من النظم السياسية، فهو صحيح في ظل نظم راديكالية اجتماعيًا، وهو صحيح أيضًا في ظل النظم التقليدية.. وهو صحيح بالنسبة إلى النظم التي تقف بين النوعين.
إن وجود تقاليد محلية للإسلام.. قد مكّن العالم الإسلام من أن يفلت من المعضلة التي أرقت مجتمعات أخرى أثار الغرب فيها الاضطراب والإذلال.. معضلة إضفاء الطابع المثالي على الغرب، ومحاكمات.. لقد امتلك الإسلام مقومات الإصلاح الذاتي باسم الإيمان المحلي، وذلك هو التفسير الأساسي لمقاومة الإسلام المرموقة للعلمنة..
إن الإسلام، من بين الثقافات الموجودة في الجنوب، هو الهدف المباشر للحملة الغربية الجديدة، ليس لسبب سوى أنه الثقافة الوحيدة القادرة على توجيه تحد فعلي وحقيقي لمجتماعات يسودها مذهب اللا إدارية وفتور الهمة واللامبالاة، وهي آفات من شأنها أن تؤدي إلى هلاك تلك المجتمعات ماديًا، فضلاً عن هلاكها المعنوي"..
هكذا طرحت المجلة البريطانية السؤال: لماذا اتخذ الغرب الإسلام عدوًا أحله محل العدو الشيوعي؟ وهكذا جاء الجواب:
إن امتلاك الإسلام لمقومات الإصلاح الذاتي ـ المؤمنة ـ قد جعله مستعصيا على العلمنة ـ التي يريد الغرب فرضها عليه، كما سبق وفرضها على المسيحية ـ .. ولذلك استعصى الإسلام على أن يقف ذليلاً أمام النموذج الغربي في التقدم.. نموذج التقدم العلماني، وتهميش الدين.. فظل أقوى في قلوب أبنائه بشكل مدهش جدًا، رغم محاولات العلمنة والتغريب!
_________
المصدر: جريدة المصريون