كتاب يناقش: هل تكون المرأة رئيسا أو لا؟:يعطيها الله ويمنعها البشر!
هل تنطبق أحكام الخلافة على رئاسة الدولة؟
شرط الذكورة في الخليفة غير صحيح بالمرة.. ..ولا دليل عليه!
كان الأولى أن يحمل الإسلاميون لواء حركات تحرير المرأة
كتاب مهم حصلت على نصه قبل صدوره عن "مركز الأهرام للترجمة والنشر"، الكتاب عنوانه "المرأة من السياسة إلى الرئاسة" (لمحمد عبد المجيد الفقي)، وهو مناقشة فقهية مستقصية للمواقف الفقهية الحاكمة لدور المرأة في الشأن العام: عاملة ووزيرة وقاضية ورئيسا للجمهورية.
ويبدأ المؤلف كتابه بتأكيد أن المرأة من عصر النبوة لعصر الراشدين وما بعده لم تشعر بأنها شيء هامشي، بل كانت ركنا ركينا وأصلا أصيلا، فشاركت في بناء الأمة, وكان لها وعيها وإرادتها وإيجابيتها. ويكفى أن يكون أول شهيد في الإسلام امرأة. وشاركت المرأة في هجرة الحبشة مرتين, وفي هجرة المدينة حيث أُسِّسَت الدولة على أكتاف الأمة جميعا: نساء ورجالا, كما شاركت المرأة في البيعة بأنواعها وشاركت في الجهاد.
لكن هذه القمة بدأت بالانهيار تدريجيا. وقد حدث ذلك بسبب تغييب الإسلام تارة، وباسم الدين تارة أخرى, مرة باسم ضرورة التفرغ لوظيفة الأمومة, وأخرى باسم الحرص على شرفها وعفتها, وثالثة باسم سد الذرائع لشيوع الفتن, وهناك من اخترعوا لعزلها عن المجتمع اختراعات غريبة؛ زاعمين أن مشاركتها في المجتمع تتنافى مع أنوثتها وحياتها الأسرية. وبتعطل المرأة عن قيامها بواجبها تجاه أمتها ومجتمعها جاء دعاة التحلل والتغريب ليتاجروا بالمرأة زاعمين الدعوة لتحريرها. وكان الأولى أن يحمل الإسلاميون لواء تحرير المرأة ويكسروا القيود التي فرضتها عليهم التقاليد الجاهلية والواردات الثقافية المغشوشة, حيث لا تزال المرأة: يعطيها الله ويمنعها البشر.
الفصل الأول عنوانه: "مدخل تاريخي: المشاركة السياسية للمرأة في صدر الإسلام". وفيه يقرر المؤلف أن كفار مكة لم ينكروا أن الله هو الخالق والرازق قال تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ"، وإن كانوا ينكرون اختصاصه سبحانه بالألوهية وإفراده بالعبادة وبالتشريع والحكم "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، فأصل المعركة بين الحق والباطل كان جوهرها النزاع حول قضية: "لِمَنْ الشرع والحكم؟". ولذلك فإن اعتناق الإسلام هو بشكل ما عمل سياسي، فرأس العملية السياسية: الحكم والتشريع، وبذلك تكون السياسة جزءا من إيمان المؤمنين، فباهتمامهم بها إنما يحرسون إيمانهم حتى لا يعلو عليهم إلا شرع الله. ومن هنا كان فهم المسلمين الأوائل العمل السياسي، كجزء لا يتم، بل لا يكاد يفهم، بدونه معنى اعتناق الدين. وبالنظر في تاريخ إسلام الصحابيات وجدناهن في أحيان كثيرة يسبقن ذويهن. وفي واقع سَبْقِ النساء للإسلام دليل يقدح في القول بأن عقلية المرأة وآفاقها كانت محدودة آنذاك. وأهم من هذا كله أن هذه الممارسة التاريخية تؤكد الحقيقة الراسخة، التي فهمتها المسلمة الأولى، وهى أن خطاب الله تعالى بالدين ومسئولياته كان موجها للمرأة والرجل، فكانت المرأة مسئولة أمام الله تعالى مسئولية فردية، ومستقلة عن مسئولية الرجل إزاء هذه العقيدة.
وقد شاركت المرأة في المرحلة السرية وهي السنوات الثلاث الأولى بمكة: فمعظم المتزوجين في هذا المجتمع أسلمت معهم زوجاتهم، وفهمت المرأة دورها فهما مسئولا فقامت بواجبها تجاه دينها ولم تتوهم أن تلك المسئولية خاصة بالرجال، ولم تتعلل بأن الرجل أقدر منها عليها أو أنها ذات طابع لا يسمح لها بالقيام بهذا الواجب. وفي المرحلة الجهرية بدءا من السنة الرابعة من البعثة، أعلن النبي تساوي الرجل والمرأة في المسئولية والجزاء. ولقد خصَّ أقرب الناس إليه رجالا ونساء، بالأمر الإلهي: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، لتتقرر مسئولية غيرهم بطريق الأولى، كذلك كانت الصيحة النبوية في النساء والرجال عند أول جهر بالدعوة أكبر دليل على ما عمد إليه الإسلام من إنهاء واحدة من أعظم الأوضاع الفاسدة في حياة الأفراد والجماعات، وهى مسألة التبعية عامة عند الرجل والمرأة، وهى مسألة عاشتها المرأة قرونا قبل الإسلام. ومما يدعو للعجب أن تستمر معايشتها لها بعده. لقد رسخ النبي بندائه المبدأ الأساسي الذي ينبغي أن تقوم عليه دعائم الحياة الاجتماعية، والعلائق الإيمانية بين الرجال والنساء في الإسلام، ذلك المبدأ هو أن الموالاة بين المؤمنين رجالا ونساء ترتبط بالأعمال، لا بالأشخاص والذوات، ولا بنوع المؤمنين: رجالا أو نساء. وكان الرسول يلتقي المسلمين رجالا ونساء بدار الأرقم، وكان أمرها سرا لا يعلمه المؤمنون. وهذا الحضور المسئول يدعونا للتأمل والعجب مما حدث بعدُ من تغييب، وربما إبعاد للمرأة عن الحضور الواعي فيما يخص شئون الجماعة المسلمة.
وقد كانت هجرتا الحبشة والمدنية، حركة سياسية واعية وتحولا سياسيا مُهِمَّا وضروريا للخروج بالدعوة لآمادها التي أرادها الله لها. ويرى كثير من الباحثين أن هجرة الحبشة كانت عملا سياسيا أصيلا عندما ضاقت على المهاجرين أرضهم. فكانت درسا في التربية السياسية على التحرر من المكان والبيئة والعلائق، وارتباطا أمام الضمير بعقيدة يسير المؤمن طوعا لها، فلا يجد طمأنينة إلا حيث تقر عقيدته وتلقى الرحب والسعة. وقد خرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم خرج عدد كبير من النساء وصل عددهن إلى إحدى وعشرين مهاجرة عدا الأربع اللاتي ذكرن آنفا. وهذا العدد غير قليل، إذا قارناه بعدد المسلمين آنذاك لتبين لنا نسبة الحضور النسائي العالية في هذه الهجرة.
وكانت هجرة المدينة انتقالا من "الدعوة المضطهدة" إلى "الدولة الإسلامية"، وهي بلا شك أخطر حركة سياسية سلمية آنذاك. وكان للمرأة دور كبير في هجرة النبي تحديدا، وبرز فيها دور أسماء بنت أبى بكر (ذات النطاقين) رضي الله عنها وأختها عائشة وغيرهن. وهاجرت المرأة كالرجل وضحَّت بالأهل والديار والأموال. واستمرت هجرة المرأة لما بعد صلح الحديبية، فكان الرجل يُمنع من الهجرة إلا إذا وافق أبوه أو قرابته أو مولاه، أما المرأة فاستمرت وحدها تهاجر للمدينة وكانت تُمتحن بعد هجرتها وتبايع. ومن دلائل هذه المبايعة لهن على تمام أهليتهن للمسئولية والتكليف، أن الرسول كان يبايعهن على الهجرة بينما كان يأبى على بعض الأعراب أن يبايعهم عليها، لما كانوا عليه من الضعف، فكان يخاف ألا يَقْوَوا عليها ولا يقوموا بحقوقها لأن أمر الهجرة شديد.
ولم تكن بيعة النساء دينية فحسب، بل كانت سياسية كذلك، فهي ميثاق ولاء للنظام السياسي الإسلامي والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم، وهي تضفي الشرعية على نظام الحكم بل تسبق في الخبرة الإسلامية في عهد الرسول إنشاء الدولة، فهي أساس المجتمع السياسي الإسلامي وأداة إعلانه التزامه بالمنهج. ويرى أكثر العلماء أن بيعة النساء كانت اختيارية، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِي إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ"، أي: إذا جاءت المرأة للمبايعة فبايعها، وليست البيعة التي يُنَصَّب بها الحاكم والإمام واجبة على النساء، إلا إذا كان ذلك مما تتحقق به نصرة الإسلام، كبيعة العقبة، أو إذا كانت البيعة على الإسلام والإيمان، واستدلوا بأنه لم يثبت في سيرة الخلفاء الراشدين اشتراك المرأة في بيعتهم مع وفرة الدواعي لمشاركتها وانتفاء موانعه آنذاك. والبيعة عند العلماء واجبة على المرأة من حيث الأصل، لكنهم يرون أن طبيعة المعركة الدائرة بين الحق والباطل في عصرنا قد تجعلها مندوبة أو واجبة استهداء بمشاركة النساء في بيعة العقبة الثانية وغيرها. وفي تفسير غياب المرأة عن روايات مبايعة الخلفاء الراشدين، فإن من المستبعد بداية أن تكون المبايعات كلها قد تمت دون شهود نسائي لها؛ لثبوت مواظبتهن على الصلاة في المسجد، فالقضية على الأرجح ترجع لعدم تصريح المصادر التاريخية وعدم التركيز على التأريخ لدور المرأة؟
وغياب المرأة لم يكن أصلا شرعيا يُعمل به ولا سنة تجب متابعتها، وليس له دلالة على الرجوع عما كانت عليه مبايعات النساء للنبي ، وليس فيه معنى إهمال النساء لأمر الخلافة. وادعاء أن الذكورة شرط يجب توافره فيمن يختارون الإمام غير صحيح بالمرة، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وفيما يتصل بمسئولية المرأة في الشورى، تشارك المرأة في المسائل التشريعية ذات الصبغة الفقهية، ولها بالإجماع حق الاجتهاد والفتوى، وتشارك في الشورى في المسائل الفنية المتخصصة، فالعبرة فيها بالأهلية بمعنى القوة والأمانة. كما تشارك في الشورى على المسائل العامة باعتبارها فردا في الأمة. وتشارك في الشورى على المسائل الخاصة بفئة معينة من خلال العمل النقابى الذي تتأسس مشاركتها فيه على حقها في العمل المهنى، ومن خلال الاستفتاءات المحدودة إذا كانت ضمن فئة ذات مصلحة خاصة. ورغم دخول النساء في المساحة الفقهية، والعلاقة المهنية، والرابطة الإيمانية، فإن المرأة يظل لها بعض الأحكام الخاصة في الشرع، وبعض المصالح الخاصة في الواقع، وهو ما يستلزم الرجوع لعامة النساء قبل اتخاذ قرارات تخصُّهن في الدولة الإسلامية، وهو ما فعله الرسول في مناسبات عديدة، وكذلك خلفاؤه الراشدون.
الفصل الثاني عنوانه: "المشاركة السياسية للمرأة داخل نطاق الأسرة".
والفصل الثالث عنوانه "حكم تولي المرأة الوظائف العامة"، ويحاول الإجابة عن سؤال: هل يأذن الإسلام للمرأة أن تعمل خارج البيت؟. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من رفض إلا فيما يلائمها من أعمال ومنهم من أجاز. وممن أجاز، بعضٌ تحفَّظ فلم يجز التوظف إلا للحاجة أو الضرورة، وبعضٌ توسع فأجاز العمل مطلقا بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية. وخلاصة المناقشة الفقهية للآراء وأدلتها أن عمل المرأة تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبا أو مستحبا أو مباحا أو مكروها أو حراما.
الفصل الرابع عنوانه: "حكم تولى المرأة وظيفة القضاء". واختلف العلماء قديما في المسألة بين مانع رافض لوجود المرأة على كرسي القضاء مطلقا، وبين مؤيد مجيز لذلك مطلقا، وبين مقيد لجواز توليها القضاء، فلا يجيزه لها إلا في حالات محددة. فالمانعون مطلقا: جمهور الفقهاء، ومن العلماء والباحثين المعاصرين الذين منعوا المرأة تولي القضاء: جمال الدين الأفغاني، ولجنة الإفتاء في الأزهر "سنة 1952". والشيخ سلمان بن فهد العودة، والدكتور عبد المجيد الزندانى وغيرهم الكثير. أما المجيزون فهم: الحنفية وابن القاسم من المالكية وبعض المعاصرين. وممن أجاز ذلك مطلقا ابن جرير الطبرى وابن حزم الظاهري، وقيل إنه رأى الحسن البصري من التابعين. وهو اختيار كثير من العلماء والباحثين المعاصرين. وأجاز تولي المرأة منصب القضاء مطلقا كثير من أعلام العلماء المعاصرين ومنهم مثلا: الشيخ محمد الغزالي "رحمه الله"، والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عبد الكريم زيدان والدكتور محمد بلتاجي "رحمه الله" وغيرهم الكثير. وقد لخص ابن رشد في "بداية المجتهد" الآراء في الموضوع فقال: "وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي شرط في صحة الحكم، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال، وقال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء".
الفصل الخامس عنوانه: "حكم مشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات"، والسادس عنوانه: "حكم ترشح المرأة لعضوية المجالس النيابية". والفصل السابع عنوانه: "حكم تولي المرأة حقيبة وزارية". واختلف العلماء في هذه المسألة بين مؤيد ومعارض، ورغم كثرة المعارضين قديما وحديثا فإن بعض أهل العلم أجازوه ورأوا أنها لا تمنع إلا من الإمامة العظمى، ومن هؤلاء: الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد بلتاجي وغيرهم. ويرى بعض أهل العلم أن تولي الوزارة غير جائز لكون الوزارة من الولايات العامة التي تمنع منها المرأة في الإسلام.
والخلاصة التي ينتهي إليها المؤلف هي أن الولايات العامة تستلزم أهلية خاصة، ومن النساء من يملكن تلك الأهلية ويصلحن لتحمل مسئوليتها، ولا حجة لمن يعارض ذلك. ويضيف المؤلف مستدركا: "وإن كنا نظن أن عدد النساء اللائي يمكنهن في الواقع العملي الجمع بين أعباء الولاية ومسئوليات الأسرة قليل، مع ملاحظة أن قلته المحتملة في المجتمع الإسلامي لا تمثل بحال مؤشرا على ضعف مشاركة المرأة الاجتماعية والسياسية، إذ أن مجالات فاعليتها في الرؤية الإسلامية متنوعة ومتعددة".
الفصل الثامن عنوانه: "أحكام تولي المرأة الإمامة العظمى ورئاسة الدولة"، وقد اتفق عامة أهل العلم على حرمة تولية المرأة الإمامة العظمى و"رئاسة الدولة"، فالرئاسة عندهم كالإمامة العظمى مخصوصة بالرجل دون المرأة واستدلوا بحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". واستدل به العلماء على منع المرأة من تولى الإمامة العظمى وكذا رئاسة الدولة. قال ابن حزم: "الولاية الممنوعة منها المرأة هي الولاية العظمى"، أى الخلافة أو رئاسة الدولة. وذهب كثير من العلماء إلى توسيع دائرة هذا الحديث، فمنعوا به تولي المرأة القضاء والوزارة وكل ولاية تَرْأُس فيها الرجال.
وقد اجتهد الشيخ الغزالى "رحمه الله" اجتهادا جديدا، لم يسبق إليه، فذهب إلى أن الحديث لا يفيد النهى العام، بل "واقعة عين" لا عموم لها. ويستدل الشيخ الغزالي على صحة قوله بنجاح ملكة سبأ في قيادة قومها للإيمان والفلاح بحكمتها وذكائها. وعند مراجعة كتب الشيخ القرضاوى مثل: "من فقه الدولة في الإسلام" و"فتاوى معاصرة" في جزئه الثاني، لاحظ المؤلف أن لدى القرضاوي ميلا واضحا - يصل لدرجة التصريح أحيانا – إلى صرف الحديث عن عمومه والقول بأنه "واقعة عين". ومن الاعتراضات المهمة على القول بحرمة تولي المرأة الرئاسة تغير المفاهيم من القيادة الفردية لحكم المؤسسات، ويرى المؤلف أنه مهما كانت درجة المؤسسية في الحكم، فإن الحاكم الأعلى هو فرد واحد على رأس تلك المؤسسات وولايته ولاية عظمى.
وقد ذهب الدكتور عبد الحميد متولي إلى تضعيف هذا الحديث بدعوى أنه حديث آحاد، وهو يرى أنها لا يؤخذ بها في المسائل ذات الخطورة والأهمية الخاصة، كالمسائل الدستورية، ويرى أن الحديث لم يأت بصيغة قاعدةٍ عامة علينا التزامها. ومما قاله أيضا إن الحديث لا ينطبق على رئاسة الدولة في العصر الحديث، لأنها تختلف عن الخلافة في الإسلام، حيث كان صاحبها يجمع بين السلطتين السياسية والدينية خلافا لما عليه الحال في العصر الحديث الذي يفصل بين السلطتين، بل نجد الرئيس في بعض البلاد لا يملك سوى رئاسة شرفية.
ويعلق المؤلف على ذلك قائلا إن: الحديث في صحيح البخاري، فلا مجال للقول بتضعيفه لاسيما أن الدكتور متولي لم يسلك في تضعيفه مسلك أهل الحديث في حكمهم عليه، كالحكم على رجاله أو انقطاع سنده أو شذوذه أو علته، ولو فعل لبان له أن الحديث صحيح، ولو أن كل واحد أشكل عليه معنى حديث صحيح ضَعَّفه لذلك لعمَّت الفوضى العلمية. والقول بأنه حديث آحاد صحيح، لكن القول بأن حديث الآحاد لا يؤخذ بها في المسائل ذات الخطورة أو الأهمية الخاصة كالمسائل الدستورية قول عجيب لم يسبق إليه – فيما أعلم – فمن أين له هذا الحكم؟ صحيح أنه اشتهر بين أهل العلم أن حديث الآحاد لا يؤخذ به في العقائد، إلا أن هذا القول ليس محل إجماع علماء الحديث، أما أن يقال إنه لا يؤخذ به في المسائل الدستورية بقياسها على أمور العقيدة، فإنه قول عجيب غريب، لا يستقيم أبدا، بل هو قول غامض، فبأي مقياس نقيس خطورة الأمر وأهميته من عدمها؟ وهل يدخل فيها أمور السياسة كلها؟ وما المعايير المنضبطة التي نحتكم إليها للحكم على الأمر بأنه أمر خطير مهم؟ لا شك في أنه كلام خاطيء غامض. أما تفرقته بين الخلافة والرئاسة فيجاب بوجود فروق بينهما، لكن الواقع يقول إن الرئيس في الدولة القطرية الحديثة هو خليفة في النطاق الجغرافي الذي يحكمه، ولذا يلحق به في الحكم، أما الرئاسة الشرفية التي تملك ولا تحكم فهذا ليس موضوعنا. وهناك من يفرق بين الخلافة ورئاسة الدولة فيمنع المرأة من الخلافة العامة، ويجيز لها رئاسة الدولة.
هل تنطبق أحكام الخلافة على رئاسة الدولة؟
شرط الذكورة في الخليفة غير صحيح بالمرة.. ..ولا دليل عليه!
كان الأولى أن يحمل الإسلاميون لواء حركات تحرير المرأة
كتاب مهم حصلت على نصه قبل صدوره عن "مركز الأهرام للترجمة والنشر"، الكتاب عنوانه "المرأة من السياسة إلى الرئاسة" (لمحمد عبد المجيد الفقي)، وهو مناقشة فقهية مستقصية للمواقف الفقهية الحاكمة لدور المرأة في الشأن العام: عاملة ووزيرة وقاضية ورئيسا للجمهورية.
ويبدأ المؤلف كتابه بتأكيد أن المرأة من عصر النبوة لعصر الراشدين وما بعده لم تشعر بأنها شيء هامشي، بل كانت ركنا ركينا وأصلا أصيلا، فشاركت في بناء الأمة, وكان لها وعيها وإرادتها وإيجابيتها. ويكفى أن يكون أول شهيد في الإسلام امرأة. وشاركت المرأة في هجرة الحبشة مرتين, وفي هجرة المدينة حيث أُسِّسَت الدولة على أكتاف الأمة جميعا: نساء ورجالا, كما شاركت المرأة في البيعة بأنواعها وشاركت في الجهاد.
لكن هذه القمة بدأت بالانهيار تدريجيا. وقد حدث ذلك بسبب تغييب الإسلام تارة، وباسم الدين تارة أخرى, مرة باسم ضرورة التفرغ لوظيفة الأمومة, وأخرى باسم الحرص على شرفها وعفتها, وثالثة باسم سد الذرائع لشيوع الفتن, وهناك من اخترعوا لعزلها عن المجتمع اختراعات غريبة؛ زاعمين أن مشاركتها في المجتمع تتنافى مع أنوثتها وحياتها الأسرية. وبتعطل المرأة عن قيامها بواجبها تجاه أمتها ومجتمعها جاء دعاة التحلل والتغريب ليتاجروا بالمرأة زاعمين الدعوة لتحريرها. وكان الأولى أن يحمل الإسلاميون لواء تحرير المرأة ويكسروا القيود التي فرضتها عليهم التقاليد الجاهلية والواردات الثقافية المغشوشة, حيث لا تزال المرأة: يعطيها الله ويمنعها البشر.
الفصل الأول عنوانه: "مدخل تاريخي: المشاركة السياسية للمرأة في صدر الإسلام". وفيه يقرر المؤلف أن كفار مكة لم ينكروا أن الله هو الخالق والرازق قال تعالى: "وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ"، وإن كانوا ينكرون اختصاصه سبحانه بالألوهية وإفراده بالعبادة وبالتشريع والحكم "إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ"، فأصل المعركة بين الحق والباطل كان جوهرها النزاع حول قضية: "لِمَنْ الشرع والحكم؟". ولذلك فإن اعتناق الإسلام هو بشكل ما عمل سياسي، فرأس العملية السياسية: الحكم والتشريع، وبذلك تكون السياسة جزءا من إيمان المؤمنين، فباهتمامهم بها إنما يحرسون إيمانهم حتى لا يعلو عليهم إلا شرع الله. ومن هنا كان فهم المسلمين الأوائل العمل السياسي، كجزء لا يتم، بل لا يكاد يفهم، بدونه معنى اعتناق الدين. وبالنظر في تاريخ إسلام الصحابيات وجدناهن في أحيان كثيرة يسبقن ذويهن. وفي واقع سَبْقِ النساء للإسلام دليل يقدح في القول بأن عقلية المرأة وآفاقها كانت محدودة آنذاك. وأهم من هذا كله أن هذه الممارسة التاريخية تؤكد الحقيقة الراسخة، التي فهمتها المسلمة الأولى، وهى أن خطاب الله تعالى بالدين ومسئولياته كان موجها للمرأة والرجل، فكانت المرأة مسئولة أمام الله تعالى مسئولية فردية، ومستقلة عن مسئولية الرجل إزاء هذه العقيدة.
وقد شاركت المرأة في المرحلة السرية وهي السنوات الثلاث الأولى بمكة: فمعظم المتزوجين في هذا المجتمع أسلمت معهم زوجاتهم، وفهمت المرأة دورها فهما مسئولا فقامت بواجبها تجاه دينها ولم تتوهم أن تلك المسئولية خاصة بالرجال، ولم تتعلل بأن الرجل أقدر منها عليها أو أنها ذات طابع لا يسمح لها بالقيام بهذا الواجب. وفي المرحلة الجهرية بدءا من السنة الرابعة من البعثة، أعلن النبي تساوي الرجل والمرأة في المسئولية والجزاء. ولقد خصَّ أقرب الناس إليه رجالا ونساء، بالأمر الإلهي: "وأنذر عشيرتك الأقربين"، لتتقرر مسئولية غيرهم بطريق الأولى، كذلك كانت الصيحة النبوية في النساء والرجال عند أول جهر بالدعوة أكبر دليل على ما عمد إليه الإسلام من إنهاء واحدة من أعظم الأوضاع الفاسدة في حياة الأفراد والجماعات، وهى مسألة التبعية عامة عند الرجل والمرأة، وهى مسألة عاشتها المرأة قرونا قبل الإسلام. ومما يدعو للعجب أن تستمر معايشتها لها بعده. لقد رسخ النبي بندائه المبدأ الأساسي الذي ينبغي أن تقوم عليه دعائم الحياة الاجتماعية، والعلائق الإيمانية بين الرجال والنساء في الإسلام، ذلك المبدأ هو أن الموالاة بين المؤمنين رجالا ونساء ترتبط بالأعمال، لا بالأشخاص والذوات، ولا بنوع المؤمنين: رجالا أو نساء. وكان الرسول يلتقي المسلمين رجالا ونساء بدار الأرقم، وكان أمرها سرا لا يعلمه المؤمنون. وهذا الحضور المسئول يدعونا للتأمل والعجب مما حدث بعدُ من تغييب، وربما إبعاد للمرأة عن الحضور الواعي فيما يخص شئون الجماعة المسلمة.
وقد كانت هجرتا الحبشة والمدنية، حركة سياسية واعية وتحولا سياسيا مُهِمَّا وضروريا للخروج بالدعوة لآمادها التي أرادها الله لها. ويرى كثير من الباحثين أن هجرة الحبشة كانت عملا سياسيا أصيلا عندما ضاقت على المهاجرين أرضهم. فكانت درسا في التربية السياسية على التحرر من المكان والبيئة والعلائق، وارتباطا أمام الضمير بعقيدة يسير المؤمن طوعا لها، فلا يجد طمأنينة إلا حيث تقر عقيدته وتلقى الرحب والسعة. وقد خرج أحد عشر رجلا وأربع نسوة في الهجرة الأولى إلى الحبشة، ثم خرج عدد كبير من النساء وصل عددهن إلى إحدى وعشرين مهاجرة عدا الأربع اللاتي ذكرن آنفا. وهذا العدد غير قليل، إذا قارناه بعدد المسلمين آنذاك لتبين لنا نسبة الحضور النسائي العالية في هذه الهجرة.
وكانت هجرة المدينة انتقالا من "الدعوة المضطهدة" إلى "الدولة الإسلامية"، وهي بلا شك أخطر حركة سياسية سلمية آنذاك. وكان للمرأة دور كبير في هجرة النبي تحديدا، وبرز فيها دور أسماء بنت أبى بكر (ذات النطاقين) رضي الله عنها وأختها عائشة وغيرهن. وهاجرت المرأة كالرجل وضحَّت بالأهل والديار والأموال. واستمرت هجرة المرأة لما بعد صلح الحديبية، فكان الرجل يُمنع من الهجرة إلا إذا وافق أبوه أو قرابته أو مولاه، أما المرأة فاستمرت وحدها تهاجر للمدينة وكانت تُمتحن بعد هجرتها وتبايع. ومن دلائل هذه المبايعة لهن على تمام أهليتهن للمسئولية والتكليف، أن الرسول كان يبايعهن على الهجرة بينما كان يأبى على بعض الأعراب أن يبايعهم عليها، لما كانوا عليه من الضعف، فكان يخاف ألا يَقْوَوا عليها ولا يقوموا بحقوقها لأن أمر الهجرة شديد.
ولم تكن بيعة النساء دينية فحسب، بل كانت سياسية كذلك، فهي ميثاق ولاء للنظام السياسي الإسلامي والالتزام بجماعة المسلمين والطاعة لإمامهم، وهي تضفي الشرعية على نظام الحكم بل تسبق في الخبرة الإسلامية في عهد الرسول إنشاء الدولة، فهي أساس المجتمع السياسي الإسلامي وأداة إعلانه التزامه بالمنهج. ويرى أكثر العلماء أن بيعة النساء كانت اختيارية، لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا النَّبِي إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ"، أي: إذا جاءت المرأة للمبايعة فبايعها، وليست البيعة التي يُنَصَّب بها الحاكم والإمام واجبة على النساء، إلا إذا كان ذلك مما تتحقق به نصرة الإسلام، كبيعة العقبة، أو إذا كانت البيعة على الإسلام والإيمان، واستدلوا بأنه لم يثبت في سيرة الخلفاء الراشدين اشتراك المرأة في بيعتهم مع وفرة الدواعي لمشاركتها وانتفاء موانعه آنذاك. والبيعة عند العلماء واجبة على المرأة من حيث الأصل، لكنهم يرون أن طبيعة المعركة الدائرة بين الحق والباطل في عصرنا قد تجعلها مندوبة أو واجبة استهداء بمشاركة النساء في بيعة العقبة الثانية وغيرها. وفي تفسير غياب المرأة عن روايات مبايعة الخلفاء الراشدين، فإن من المستبعد بداية أن تكون المبايعات كلها قد تمت دون شهود نسائي لها؛ لثبوت مواظبتهن على الصلاة في المسجد، فالقضية على الأرجح ترجع لعدم تصريح المصادر التاريخية وعدم التركيز على التأريخ لدور المرأة؟
وغياب المرأة لم يكن أصلا شرعيا يُعمل به ولا سنة تجب متابعتها، وليس له دلالة على الرجوع عما كانت عليه مبايعات النساء للنبي ، وليس فيه معنى إهمال النساء لأمر الخلافة. وادعاء أن الذكورة شرط يجب توافره فيمن يختارون الإمام غير صحيح بالمرة، ولا دليل عليه من كتاب ولا سنة. وفيما يتصل بمسئولية المرأة في الشورى، تشارك المرأة في المسائل التشريعية ذات الصبغة الفقهية، ولها بالإجماع حق الاجتهاد والفتوى، وتشارك في الشورى في المسائل الفنية المتخصصة، فالعبرة فيها بالأهلية بمعنى القوة والأمانة. كما تشارك في الشورى على المسائل العامة باعتبارها فردا في الأمة. وتشارك في الشورى على المسائل الخاصة بفئة معينة من خلال العمل النقابى الذي تتأسس مشاركتها فيه على حقها في العمل المهنى، ومن خلال الاستفتاءات المحدودة إذا كانت ضمن فئة ذات مصلحة خاصة. ورغم دخول النساء في المساحة الفقهية، والعلاقة المهنية، والرابطة الإيمانية، فإن المرأة يظل لها بعض الأحكام الخاصة في الشرع، وبعض المصالح الخاصة في الواقع، وهو ما يستلزم الرجوع لعامة النساء قبل اتخاذ قرارات تخصُّهن في الدولة الإسلامية، وهو ما فعله الرسول في مناسبات عديدة، وكذلك خلفاؤه الراشدون.
الفصل الثاني عنوانه: "المشاركة السياسية للمرأة داخل نطاق الأسرة".
والفصل الثالث عنوانه "حكم تولي المرأة الوظائف العامة"، ويحاول الإجابة عن سؤال: هل يأذن الإسلام للمرأة أن تعمل خارج البيت؟. وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من رفض إلا فيما يلائمها من أعمال ومنهم من أجاز. وممن أجاز، بعضٌ تحفَّظ فلم يجز التوظف إلا للحاجة أو الضرورة، وبعضٌ توسع فأجاز العمل مطلقا بشرط الالتزام بالضوابط الشرعية. وخلاصة المناقشة الفقهية للآراء وأدلتها أن عمل المرأة تعتريه الأحكام التكليفية الخمسة، فقد يكون واجبا أو مستحبا أو مباحا أو مكروها أو حراما.
الفصل الرابع عنوانه: "حكم تولى المرأة وظيفة القضاء". واختلف العلماء قديما في المسألة بين مانع رافض لوجود المرأة على كرسي القضاء مطلقا، وبين مؤيد مجيز لذلك مطلقا، وبين مقيد لجواز توليها القضاء، فلا يجيزه لها إلا في حالات محددة. فالمانعون مطلقا: جمهور الفقهاء، ومن العلماء والباحثين المعاصرين الذين منعوا المرأة تولي القضاء: جمال الدين الأفغاني، ولجنة الإفتاء في الأزهر "سنة 1952". والشيخ سلمان بن فهد العودة، والدكتور عبد المجيد الزندانى وغيرهم الكثير. أما المجيزون فهم: الحنفية وابن القاسم من المالكية وبعض المعاصرين. وممن أجاز ذلك مطلقا ابن جرير الطبرى وابن حزم الظاهري، وقيل إنه رأى الحسن البصري من التابعين. وهو اختيار كثير من العلماء والباحثين المعاصرين. وأجاز تولي المرأة منصب القضاء مطلقا كثير من أعلام العلماء المعاصرين ومنهم مثلا: الشيخ محمد الغزالي "رحمه الله"، والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور عبد الكريم زيدان والدكتور محمد بلتاجي "رحمه الله" وغيرهم الكثير. وقد لخص ابن رشد في "بداية المجتهد" الآراء في الموضوع فقال: "وكذلك اختلفوا في اشتراط الذكورة، فقال الجمهور: هي شرط في صحة الحكم، وقال أبو حنيفة: يجوز أن تكون المرأة قاضيا في الأموال، وقال الطبري: يجوز أن تكون المرأة حاكما على الإطلاق في كل شيء".
الفصل الخامس عنوانه: "حكم مشاركة المرأة في التصويت في الانتخابات"، والسادس عنوانه: "حكم ترشح المرأة لعضوية المجالس النيابية". والفصل السابع عنوانه: "حكم تولي المرأة حقيبة وزارية". واختلف العلماء في هذه المسألة بين مؤيد ومعارض، ورغم كثرة المعارضين قديما وحديثا فإن بعض أهل العلم أجازوه ورأوا أنها لا تمنع إلا من الإمامة العظمى، ومن هؤلاء: الشيخ محمد الغزالي والدكتور يوسف القرضاوي والدكتور محمد بلتاجي وغيرهم. ويرى بعض أهل العلم أن تولي الوزارة غير جائز لكون الوزارة من الولايات العامة التي تمنع منها المرأة في الإسلام.
والخلاصة التي ينتهي إليها المؤلف هي أن الولايات العامة تستلزم أهلية خاصة، ومن النساء من يملكن تلك الأهلية ويصلحن لتحمل مسئوليتها، ولا حجة لمن يعارض ذلك. ويضيف المؤلف مستدركا: "وإن كنا نظن أن عدد النساء اللائي يمكنهن في الواقع العملي الجمع بين أعباء الولاية ومسئوليات الأسرة قليل، مع ملاحظة أن قلته المحتملة في المجتمع الإسلامي لا تمثل بحال مؤشرا على ضعف مشاركة المرأة الاجتماعية والسياسية، إذ أن مجالات فاعليتها في الرؤية الإسلامية متنوعة ومتعددة".
الفصل الثامن عنوانه: "أحكام تولي المرأة الإمامة العظمى ورئاسة الدولة"، وقد اتفق عامة أهل العلم على حرمة تولية المرأة الإمامة العظمى و"رئاسة الدولة"، فالرئاسة عندهم كالإمامة العظمى مخصوصة بالرجل دون المرأة واستدلوا بحديث: "لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة". واستدل به العلماء على منع المرأة من تولى الإمامة العظمى وكذا رئاسة الدولة. قال ابن حزم: "الولاية الممنوعة منها المرأة هي الولاية العظمى"، أى الخلافة أو رئاسة الدولة. وذهب كثير من العلماء إلى توسيع دائرة هذا الحديث، فمنعوا به تولي المرأة القضاء والوزارة وكل ولاية تَرْأُس فيها الرجال.
وقد اجتهد الشيخ الغزالى "رحمه الله" اجتهادا جديدا، لم يسبق إليه، فذهب إلى أن الحديث لا يفيد النهى العام، بل "واقعة عين" لا عموم لها. ويستدل الشيخ الغزالي على صحة قوله بنجاح ملكة سبأ في قيادة قومها للإيمان والفلاح بحكمتها وذكائها. وعند مراجعة كتب الشيخ القرضاوى مثل: "من فقه الدولة في الإسلام" و"فتاوى معاصرة" في جزئه الثاني، لاحظ المؤلف أن لدى القرضاوي ميلا واضحا - يصل لدرجة التصريح أحيانا – إلى صرف الحديث عن عمومه والقول بأنه "واقعة عين". ومن الاعتراضات المهمة على القول بحرمة تولي المرأة الرئاسة تغير المفاهيم من القيادة الفردية لحكم المؤسسات، ويرى المؤلف أنه مهما كانت درجة المؤسسية في الحكم، فإن الحاكم الأعلى هو فرد واحد على رأس تلك المؤسسات وولايته ولاية عظمى.
وقد ذهب الدكتور عبد الحميد متولي إلى تضعيف هذا الحديث بدعوى أنه حديث آحاد، وهو يرى أنها لا يؤخذ بها في المسائل ذات الخطورة والأهمية الخاصة، كالمسائل الدستورية، ويرى أن الحديث لم يأت بصيغة قاعدةٍ عامة علينا التزامها. ومما قاله أيضا إن الحديث لا ينطبق على رئاسة الدولة في العصر الحديث، لأنها تختلف عن الخلافة في الإسلام، حيث كان صاحبها يجمع بين السلطتين السياسية والدينية خلافا لما عليه الحال في العصر الحديث الذي يفصل بين السلطتين، بل نجد الرئيس في بعض البلاد لا يملك سوى رئاسة شرفية.
ويعلق المؤلف على ذلك قائلا إن: الحديث في صحيح البخاري، فلا مجال للقول بتضعيفه لاسيما أن الدكتور متولي لم يسلك في تضعيفه مسلك أهل الحديث في حكمهم عليه، كالحكم على رجاله أو انقطاع سنده أو شذوذه أو علته، ولو فعل لبان له أن الحديث صحيح، ولو أن كل واحد أشكل عليه معنى حديث صحيح ضَعَّفه لذلك لعمَّت الفوضى العلمية. والقول بأنه حديث آحاد صحيح، لكن القول بأن حديث الآحاد لا يؤخذ بها في المسائل ذات الخطورة أو الأهمية الخاصة كالمسائل الدستورية قول عجيب لم يسبق إليه – فيما أعلم – فمن أين له هذا الحكم؟ صحيح أنه اشتهر بين أهل العلم أن حديث الآحاد لا يؤخذ به في العقائد، إلا أن هذا القول ليس محل إجماع علماء الحديث، أما أن يقال إنه لا يؤخذ به في المسائل الدستورية بقياسها على أمور العقيدة، فإنه قول عجيب غريب، لا يستقيم أبدا، بل هو قول غامض، فبأي مقياس نقيس خطورة الأمر وأهميته من عدمها؟ وهل يدخل فيها أمور السياسة كلها؟ وما المعايير المنضبطة التي نحتكم إليها للحكم على الأمر بأنه أمر خطير مهم؟ لا شك في أنه كلام خاطيء غامض. أما تفرقته بين الخلافة والرئاسة فيجاب بوجود فروق بينهما، لكن الواقع يقول إن الرئيس في الدولة القطرية الحديثة هو خليفة في النطاق الجغرافي الذي يحكمه، ولذا يلحق به في الحكم، أما الرئاسة الشرفية التي تملك ولا تحكم فهذا ليس موضوعنا. وهناك من يفرق بين الخلافة ورئاسة الدولة فيمنع المرأة من الخلافة العامة، ويجيز لها رئاسة الدولة.