من طرف أ علي رزق 2/8/2009, 8:24 am
أهم ما ورد في الندوة :
الإحباطات التي واجهته وكيف تغلب عليها :
كانت أولى الإحباطات التي واجهتها هي الفرق بين المستوى العلمي للخريج الجامعي في أمريكا ونظيره في مصر فرغم تخرجي في مصر بدرجة امتياز إلا أن المستوى العلمي للطلاب في أمريكا كان جديدًا علي، ورغم إحباطي في البداية فقد حاولت اجتياز هذا الإحباط ومحاولة فهم الفروق في الحالتين، وقتها كان المشرف على رسالتي للدكتوراه البروفيسور روبن هوكشتراسر الذي اقترح عليّ أن أعمل على موضوع «ظاهرة ستارك على الجزيئات البيولوجية الكبيرة» وهي باختصار تأثير المجال الكهربي على طيف المادة، ولكنني طلبت منه أن أعمل في موضوع علمي أكثر عمقًا وتحليلاً، وكان لدي شعور دفين بأن الجزيئات البيولوجية كبيرة ومعقدة، وظاهرة ستارك هي ظاهرة للقياس إضافة إلى أن الموضوع برمته لم يكن واضح المعالم في ذهني، ورغم دهشته فقد منحني البروفيسور موضوعًا بحثيا عن «نظام مكونات أكثر دقة» أثارني هذا الموضوع بشدة وخلال شهور قليلة أجريت عددًا من التجارب المعملية وفي 1970م قدمنا ورقة بحثية عن ظاهرة زيمان لنترات الصوديوم، وفي 1971م قدمنا الورقة الثانية عن مشتقات البنزين ونشرت في المجلات العلمية وورقة عن الترايازين، وهكذا بدأت محطة العمل الفعلي الجاد. الحاجز العلمي بيني وبين الطلاب في أمريكا شكل محطة إحباط لي في البداية وقد حاولت اجتيازه بالقدرة - بمرور الوقت - على التعامل بكفاءة مع الأجهزة العلمية بالغة التعقيد، بعد الاعتياد على التعامل مع إمكانات معملية متواضعة في السابق - في الإسكندرية - كذلك أسلوب ونمط كتابة المقالات العلمية. ففي مصر اعتدنا النمط الإنجليزي في الكتابة سواء في المقالات أو التقارير العلمية أو حتى المقررات الدراسية وأسئلة الاختبارات وفي هذا النظام يكون السؤال: «اكتب ما تعرفه عن فيتامين ب12» وفي هذه الحالة يكون بوسعي كتابة مقال من 6 صفحات عن الطرق المعملية لتحضير فيتامين ب12 ثم خواصه الكيميائية وتأثيره على الأجسام البشرية. أما النظام الأمريكي فالأمر مختلف تمامًا، وكان أول اختبار لي بنظام الأجوبة المتعددة والاختيار من بينها كان للوهلة الأولى امتحانًا طويلاً بالنسبة لي (100)سؤال يحتاج إلى وقت أطول لقراءة كل هذه الأسئلة لم أعتد هذا النمط فكانت درجاتي لا تناظر مرتبة الشرف التي حصلت عليها من كلية العلوم!
* وقررت تخطي هذا الحاجز الذي يحد من انطلاقي وحضرت دروسًا في الفيزياء والكيمياء كمستمع وترددت على مكتبة الجامعة أقرأ وأقرأ الكثير من المراجع العلمية. كان هذا لكي أصبح جاهزًا للدراسة لدرجة الدكتوراه ورغم صعوبة متابعة المحاضر لسرعته الشديدة - وهذا إحباط آخر - في أثناء الشرح ولعدم إتقاني للغة الإنجليزية إلا أنني استطعت في شهور قليلة تخطي هذا الحاجز.
* أما محطة الإحباط التالية فقد كانت الحاجز السياسي الذي تمثل في أنه رغم جو الألفة والوئام اللذين خيما على طبيعة العلاقة بين الجميع، وكان أحد طلاب الدكتوراه من المعادين للعرب وكثيرًا ما كان يخلط بين السياسة والمسائل العلمية، ورغم أنه كان يقدم العون لي أحيانًا في دراساتي فإنه كان لا يتوقع لمصري مثلي أن يتفوق أبدًا، وقد اتخذ من هزيمة 1967م مبررًا لاعتقاده بأن المصريين غير مؤهلين للتعامل مع الأبحاث العلمية، وكان تحامله هذا يجرح شعوري ويؤلمنى. كان يعتقد دائمًا أنني أقل من الطلاب الأوروبيين والأمريكيين، كنت أقول لنفسي: سوف ترى ما أنا فاعل في يوم من الأيام، وبالفعل فذات يوم تقابلنا في أحد المؤتمرات العلمية وتسلمت خلاله جائزة بيترديباي ذات المقام الرفيع وقد جلس هذا الشخص في الصف الأول ضمن المشاركين في الاحتفاء بالمصري في جامعة بنسلفانيا.
* وقد ظلت الحواجز الحياتية والثقافية الأمريكية تشكل محطة يصعب تذليلها أو تجاوزها. في البداية كنت أقول لنفسي «عليك أن تتدبر أمورك دون انتظار معونة من أحد» فالمجتمع الأمريكي لا يقدم لك العون إلا إذا طلبت، وحتى إذا طلبت ليس بالضرورة أن تتلقى المعونة في كل الحالات، نظام الملابس والأزياء نفسه كان مختلفًا وكمعيد في جامعة الإسكندرية اعتدت ارتداء البدلة وربطة العنق. أما في بنسلفانيا فالوضع مختلف الطلبة يذهبون للجامعة بالملابس الجينز البدلة وربطة العنق للمناسبات أو الزيارات الرسمية فقط، والعادات والسلوك المصري عادة مايفهم بطريقة خاطئة، فذات مرة قلت مازحًا لزميل أمريكي ونحن نحتسي القهوة «سوف أقتلك» فتبدل وجه الرجل ولابد أنه قال في داخله هذا الفتى قادم من الشرق الأوسط ولابد أنه سيفعلها، وبدأت أتحسس كلماتي وتصرفاتي مع زملائي من الطلبة الأوروبيين والأمريكيين، والطلبة يتعاملون مع أساتذتهم كمربين فهم يدفعون مبلغًا ضخمًا ليتعلموا فهم يتصورون أن الأساتذة يعملون عندهم فهم يتقاضون رواتبهم مما يدفعه الطلاب من رسوم دراسية.
* سنة 1972م شهدت قدوم أول بناتي ومع أنها محطة سعادة بالغة بالنسبة لي إلا أن الظروف التي أحاطت بميلادها كانت محبطة ومدهشة في الوقت نفسه بالنسبة لي، أما الإحباط فكان لأني لم أستعد سلفًا لمصروفات الولادة فأثناء التسجيل بجامعة بنسلفانيا لم أتبين جيدًا بنودًا خاصة بالتأمين الصحي والحصول على الرعاية الطبية بند ميلاد الأبناء بأجور زهيدة فلم أوقع علىه وكانت تكاليف الولادة وقتها من ألف إلى ألفي دولار ووقتها كان راتبي الشهري 300 دولار ومثلها راتب زوجتي وكانت بالكاد تكفي احتياجاتنا الضرورية، ولكن نظرًا لتفوقي ودرجاتي العلمية العالية وافقت الجامعة على مخاطبة المستشفى التي قامت بكل التدابير اللازمة على أن أسدد ذلك الدين في أقساط شهرية فيما بعد.
* أكتوبر 1973م محطة انتشاء كبيرة بالنسبة لي ففي هذا العام أتممت رسالتي للدكتوراه وكان مشرفًا عليها البروفيسور هوكشتراسر ثم حصلت على علاوة على راتبي ثم منحة ما بعد الدكتوراه وكانت في جامعة بيركلي في الغرب الأمريكي وبعدها بشهرين وفي يوم السادس من أكتوبر على أخبار عبور القوات المصرية لقناة السويس، بالنسبة لمصري مقيم في أمريكا كان النصر مدعاة للفخر والسعادة والشعور بالكرامة، وبالنسبة لي بالذات كان الأمر أكثر من ذلك فليست هناك أي حجة لادعاء أن المصريين أقل من غيرهم في أي شيء، فقد لمست في الفترة السابقة على 1973م عدم تقدير للإضافات العلمية للعلماء العرب بالخارج رغم أهميتها من جانب العلماء والمثقفين.
* انتقلت إلى كاليفورنيا أنا وزوجتي وابنتي في أوائل عام 1974م ولدهشتي وبعد مضي 4 أعوام على حياتي في أمريكا فقد اصطدمت بالحواجز نفسها مرة أخرى: الثقافة والسياسة وكانت جامعة بيركلي جامعة حكومية أنشئت عام 1868م تقابلت مع طلاب ذوي آراء واتجاهات متطرفة وبخاصة تجاه الشرق الأوسط، في البداية كان الأمر أزمة حقيقية داخلي: كيف أتعامل معهم؟ كيف أغير نظرتهم عن الشرق الأوسط؟ وفي النهاية وجدت أفضل الحلول أن نتوقف جميعًا عن الخوض في المناظرات الحارة التي يتشبث فيها كل طرف بمعتقداته دون إعطاء أذن صاغية للآخر، وبمرور الوقت أصبحت أكثر دراية في التعامل مع أمور كهذه، في هذه الفترة تلاشى الحاجز العلمي الذي كان يفصلني عن الباحثين الأمريكيين والأوروبيين.
* 1975م يوم 4 فبراير قطعت الإذاعة المصرية برامجها المعتادة وأخذت تبث تسجيلات لآيات من القرآن الكريم، إذًا قد مات شخص مهم، وبالفعل ماتت سيدة الغناء العربي أم كلثوم، وشيعها أكثر من 4 ملايين مواطن مصري، وكان حزني عليها لا يوصف، كان عميقًا كبيرًا، وفي هذا اليوم ظللت أستمع لأغنية الأطلال مرارًا وتكرارًا.
* ثم عملت بعدها بجامعة كالتك وهي جامعة أمريكية عريقة. في 1976م ضمت الكثيرين ممن حصلوا على جائزة نوبل وقد خصصت لي الجامعة أكثر من 50 ألف دولار كميزانية لإجراء أبحاثي.
تابع
عدل سابقا من قبل مستر علي رزق في 2/8/2009, 8:28 am عدل 1 مرات