ماذا تبقى من ثورة يوليو؟
مجموعة الضباط الاحرار
كتب - عماد سيد - تحل اليوم ذكرى " ثورة يوليو " والتي قادها مجموعة من شباب ضباط الجيش المصري هالهم ما رأوه من فساد أحاط بكل نواحي الحياة السياسية في مصر حتى وصل إلى القصر الملكي فقرروا "الانقلاب"على الأوضاع المغلوطة في بلادهم أملاً في غدٍ أفضل لهم ولأبنائهم ولشعبهم، فخططوا لانقلاب عسكري شاءت الأقدار أن يكون مخملياً ، أطيح من خلاله برموز فساد تورطت في كوارث متعددة كان آخرها نكبة فلسطين التي لا زلنا نعاني من توابعها إلى الآن .
كان المشهد المصري وقتها شديد الكآبة .. وطن محتل يعبث بمقدراته فئة من المنتفعين .. أحزاب فاسدة تتطاحن من أجل الفوز بتشكيل حكومة لا تستمر عدة أشهر .. مواطن ضعيف لا حقوق له في وطنه ولا حتى في عمله .. ليس له تأمين او علاج او سكن آدمي .. أغلب الشعب وخاصة الفلاحين منهم كانوا يعيشون فقراً مدقعاً فيما تنتفع قلة قليلة بخيرات البلاد .. وكلها أمور دفعت إلى تشكيل تنظيم الضباط الأحرار
نجيب وناصر
ولما كان كافة الضباط الأحرار من ذوي الرتب الصغيرة فقد قرروا إسناد قيادة الانقلاب إلى شخصية ذات رتبة كبيرة يحترمها العامة قبل أفراد الجيش المصري، وهو الأمر الذي عرض على عدد من قيادات الجيش فنأوا بأنفسهم عنه إلا الراحل اللواء محمد نجيب الذي وافق على الأمر على مافيه من خطورة شديدة ، واختير محمد نجيب نظراً لشخصيته القوية المعروفة داخل الجيش إلى جانب وطنيته وإخلاصه واحترام الشعب المصري له خاصة بعد فوزه في انتخابات مجلس إدارة نادي الضباط وعزل الملك فؤاد له وتعيين آخر محله الأمر الذي أشعل صراعاً لم ينته إلا برحيل الملك والملكية من مصر.
وللأسف ونظراً لشخصية وطبيعة الرجل القيادية لم تقبل كرامته أن يكون مجرد واجهة للانقلاب في حين يدير أمور الدولة مجلس قيادة الثورة أكبر من فيه أصغر منه سناً ورتبة وخبرة، ويزداد الأمر سوءاً حتى يصل إلى صدام مباشر بين العقل المدبر للثورة جمال عبد الناصر رحمه الله وبين نجيب الذي يزداد حب واحترام الشعب له ليكتسب المزيد من الثقل والقوة كل يوم، وينتهي الأمر بين الرجلين بعد عدة جولات إلى التحفظ على نجيب في منزله حتى توفاه الله.
ويقال إن من أسباب الخلاف بين الرجلين القويين ميل نجيب إلى جماعة الإخوان المسلمين، وكان عبد الناصر يخشى من أن تؤول الأمور إلى الجماعة وينتهي دوره ودور الضباط الأحرار عند هذا الحد، ويقال أيضاً إن السبب الرئيسي للخلاف كان مطالبة نجيب رحمه الله بأن يعود الجيش إلى الثكنات عملا بمبدأ أنه "إذا تدخل الجيش في السياسة فسد الاثنان معاً" كما طالب نجيب بأن تترك الأمور لحكومة ائتلافية مدنية تضم كافة الأطياف السياسية في مصر مع إعداد دستور جديد للبلاد والتأسيس لحياة ديمقراطية سليمة، ولم يعجب الأمر أغلب الضباط الأحرار وصار نجيب في جانب وباقي مجلس قيادة "الثورة" في جانب آخر ليقدم نجيب استقالته ويعتقل ويسجن في منزله كما تقدم ذكره.
الإخوان والضباط الأحرار
ويؤكد عبد اللطيف البغدادي رحمه الله أن عدداً من الضباط - الذين شكل أغلبهم فيما بعد تنظيم الضباط الأحرار - قد اتصلوا بعدد من التيارات السياسية المصرية ومنها جماعة الإخوان المسلمين لما كان لها من ثقل كبير بين أفراد الشعب المصري بهدف مساندتهم في السعى إلى طرد الاحتلال، وأكد في مذكراته أن الشهيد حسن البنا رحمه الله وافق على مساعدة الضباط الأحرار في السعي إلى تخليص مصر من الاحتلال البريطاني بإعاقة تقهقره حال هجوم الجيش المصري، وربما كان هذا هو أول اتصال رسمي مع الجماعة في هذا الوقت رغم وجود عدد غير قليل من أفرادها داخل الجيش المصري.
ويذكر التاريخ أن الجماعة ساندت وبقوة حركة الضباط الأحرار قبل وعقب الثورة منها على سبيل المثال رسالة التأييد التي ارسلها حسن الهضيبي إلى اللواء محمد نجيب ومنها ذلك الدور الخطير الذي لعبته الجماعة في القناة عبر حركة الفدائيين، الأمر الذي مثل ضغطاً شديداً لصالح القيادة العسكرية المصرية خلال مفاوضات الجلاء مع الاحتلال البريطاني ، بل يقال أيضاً إن التنظيم الخاص للجماعة قام بتأمين المرافق العامة والبنايات الهامة وحراستها خلال الأيام الأولى للثورة لكن الخلاف بدأ بين قادة الانقلاب -أو عبد الناصر على وجه التحديد- وبين الجماعة حين ساندت قرار الرئيس الراحل محمد نجيب بعودة الحياة الديمقراطية والنيابية للبلاد وعودة الجيش إلى الثكنات إضافة الى رفضهم القاطع للاتفاقية التي وقعها عبد الناصر مع الاحتلال البريطاني.
ومما زاد من سخونة الأحداث حادث المنشية وقبله مظاهرة عابدين الشهيرة في عام 1954 والتي نظمها الاخوان المسلمون لمطالبة الرئيس محمد نجيب بتطبيق الشريعة الإسلامية، ولم يفلح أحد في صرف تلك الجموع إلا الراحل عبد القادر عودة ووقتها استشعر جمال عبد الناصر مدى خطورة وقوة الإخوان ومدى خطورة رجال مثل عبد القادر عودة وسيد قطب على موقعه من الثورة ليبدأ فصل دامٍ في حياة مصر وتفتح السجون والمعتقلات من جديد للإخوان ولغيرهم وتكمم الأفواه ويقتل المئات تحت وطأة تعذيب همجي لم تشهد له مصر مثيلاً.
أين أهداف الثورة الآن؟
واليوم .. وبعد 57 عاماً هل لازالت أهداف الثورة متحققة على أرض الواقع .. في الحقيقة هذا ما أود الحديث فيه وكل ما سبق كان مجرد خلفية تاريخية أحببت أن أشارك القارئ العزيز فيها .. فتعالوا معي نتذكر أهداف انقلاب يوليو مع إلقاء نظرة على أرض الواقع
1 - القضاء على الاستعمار وأعوانه
إذا نظرنا إلى الأمر بصورة أعمق سنلاحظ أن الاحتلال قد رحل بقواعده وعسكره بالفعل ، لكنه لازال باقياً (على اختلاف دوله) بوجود أذناب له تعمل وفقاً لمبادئه وخططه .. فمن هذه الأذناب الفاسدة من لا يحفل بما يأكله المواطن ويستمر في استيراد قمامة أوربا وأمريكا للمواطن بأبخس الأسعار ليبيعها له دون أن يحفل بما يجري له بعد ذلك .. ومنهم من يهرب بأموال البنوك ليتمتع بأموال الشعب هو وأولاده في دول تفرض حمايتها عليه فيما تغمض الدولة نفسها أعينها عنه دون محاولة لملاحقته وأمواله عبر الانتربول ، ومنهم من يقوم بتصدير الغذاء والدواء والطاقة وحتى أصول المحاصيل الزراعية لدول أوربا ودولة الكيان الغاصب (تذكروا فضيحة القطن).
2 - بناء جيش وطني قوى
والحمد لله أن هذا الهدف قد تحقق ، فلا يزال الجيش المصري هو الهيئة التي كلما تطلع إليها المواطن المصري شعر بالفخر والعزة .
3- القضاء علي الإقطاع وأعاده توزيع الثروة
اعتقد انه من المضحك للغاية الحديث عن هذه النقطة تحديدا في وقتنا الحالي. فلدينا اليوم من يمتلك مدينة كاملة اشترى سعر المتر منها بعشرة جنيهات ويبيع المتر حالياً بعدة آلاف من الجنيهات.
ولدينا سيادة الأمير العربي الذي أهدته الدولة قطعة أرض بمساحة خرافية في توشكى وبثمن بخس يستزرعها ويصدر خيراتها إلى بلاده وإلى الخارج دون أن يتذوق المصري ما يزرع بها من أصناف ربما يتوفاه الله وهو لم يعرف لها طعماً .
لدينا أشخاص غيروا في قوانين الاحتكار حتى أصبح من القانون أن ينال المبلغ عن جريمة الاحتكار نصف عقوبة المحتكر ليعيش سيادته في أمان ما شاء الله له أن يعيش دون خوف من أحمق قرر أن يقذف بنفسه في السجن وبإرادته .
لدينا في القرن الحادي والعشرين مواطنون يعتصمون ويقطعون الطرق لعدم وصول المياه إليهم إما لعدم وجود بنية أساسية من الأصل، وإما لأنها تسحب لري أراضي الجولف التي يلعب عليها باشاوات مصر الجدد .
لدينا مواطنون يدهسون في طوابير الخبز وطوابير المعاشات.
نعم أعيد توزيع الثروة ولكن يبدو أن كل من وزعت ثروته أو ثروة أجداده قد عادت اليه أضعافا مضاعفة إلى جانب صعود أغنياء انفتاح السداح مداح في طبقات المجتمع الى قمة السلم الاجتماعي وزواج رأس المال والسلطة انتخابات برلمانية فى مصر.
4- إقامة حياه ديمقراطية سليمة
ما رأيكم في حزب حكم طيلة حياة الرئيس عبد الناصر ولم يترك الحكم حتى توفاه الله؟ ما رأيكم في حزب يحكم مصر الآن قرابة الثلاثين عاماً دون أن تتغير وجوه قادته منذ أن خرجنا إلى الحياة وحتى الآن؟ ما رأيكم في هذه الصور .. قوات أمن كثيفة تمنع المواطنين من دخول لجان الانتخابات وبلطجية في حماية قوات الأمن المركزي .. هل هذه هي الحياة الديمقراطية السليمة ؟ أم انها معاملة المواطن وكأنه حشرة لا حق له إلا الطعام والتكاثر دون التفكير في أن له حق الانتخاب دون تزوير صوته .
خاتمة
في دول العالم (المتحضر) يحتفل المواطنون باليوم الوطني الرسمي لدولتهم .. سواء بالمشاركة في العمل العام أو في الخروج للمشاركة بأحد الفعاليات الثقافية او الفنية أو بقراءة تاريخ بلادهم وتدريسه للأبناء وغيرها .. أما في مصر وغيرها من الدول التي يغيب فيها معنى الانتماء فلا يمثل ذلك اليوم أكثر من (إجازة) !! .. نسهر حتى ساعة متأخرة في اليوم السابق لها ونستيقظ في ساعة متأخرة أيضا من يوم (الأجازة) ونشاهد بعض الأفلام التاريخية التافهة التي تضحك أكثر مما تعطبلطجية فى حماية الامني درساً او تضيف قيمة، إضافة إلى مذيعات متنطعات وصحف لا تستعمل إلا في عمل (القراطيس) تكرر ما قيل ويقال وسيقال كل عام .
فهل يحق لنا الاحتفال بمنجزات ثورة يوليو بعد كل ما سبق ذكره ؟ ..كل عام وانتم بخير.
منقول من موقع مصراوي