ماذا يحب الله ؟
الشيخ محمد صالح المنجد
فإن حب الله لب الإيمان، ومحبة الله تعالى أساس العلاقة بين المؤمن وربه، فهو يحب ربه أعظم من حب كل شيء، فهو يحبه لذاته وأسمائه وصفاته، يحبه لنعمه وآلائه، يحبه سبحانه وتعالى لأنه هو الذي خلقه، وأوجده، وأكرمه وأعطاه الحواس وأنعم عليه وأنزل الكتاب وبين طريق العبادة. يحبه لأنه أرسل له رسولاً، وعلمه شرعه، يحبه لأنه مجيب، قدوس، سلام، يحبه لهذه الصفات العظيمة التي اتصف بها سبحانه وتعالى، فهو الله لا إله إلا هو لا شريك له، وإذا كانت محبة العبد لربه صادقة، فإن العبد سيحب ما يحبه الله، ويلتمس العبد مرضاة ربه ومحابه، والله يحب أشخاصاً وأعمالاً، فينظر ماذا يحب الرب فيعمل به، ماذا يبغض الرب فيتركه، وأحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة،القائمة على اليسر الذي جاءت به الشريعة، وليس اليسر الذي تشي به أهواء الناس ويقولون به من عندهم، والله عز وجل يحب أن تؤتى الفرائض أولاً، ثم يحب الزيادة من النوافل، فالعبد يسلك هذا الطريق، كما جاء في الحديث القدسي أن الله قال: (( وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه ))، (( ولا زال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولإن استعاذني لأعيذنه )) [رواه البخاري] .
فالفرائض مقدمة على النوافل، والإكثار من التطوع بعد ذلك مجلبة لمحبة الله، والله تعالى يحب الصلاة ويحب أن تكون على وقتها، كما سئُل عليه الصلاة والسلام : أي العمل أحب إلى الله قال : (( الصلاة على وقتها ))، الاهتمام بأمر الصلاة والمبادرة إلى الصلاة، هذه يحبها الله، الصلاة في أول الوقت إلا ما جاءت السنة بتأخيره، كالإبراد في الظهر، وتأخير العشاء بما لا يكون فيه مشقة على المأمومين، ثم ماذا بعد الصلاة على وقتها؟(( بر الوالدين))، رعياك صغيرا، آثراك على أنفسهما، سهرا ليلهما وأناماك، وجاعا وأطعماك، فلهما الشكر ولهما البر والدعاء، {وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} (24) سورة الإسراء.
من برّ والـده وأمَّـهْ فاقصده مختاراً وأُمَّـهْ
واغتنم فضائـله فـذ لك وحده في الدهر أُمَّهْ
كم جرّ بـرّ الوالـدي ن فوائداً للمرء جمــّه
منها رضـا الله الّذي يكفي الفتى ما قد أهمّـه
ثم ماذا ؟ قال ((الجهاد في سبيل الله))، محاربة أعداء الله، إعلاء كلمة الله، وكسر شوكة الكفر الذي يبغضه الله.
مما يحبه الله عز وجل من الصلاة صلاة داود، (( أحب الصلاة إلى الله صلاة داود عليه السلام ( في قيام الليل )، وأحب الصيام إلى الله صيام داود )) فسّر ذلك فقال في الحديث الذي رواه البخاري (( وكان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه، وينام سدسه، ويصوم يوماً ويفطر يوما )) .
مما يحبه الله كثرة الجماعة في الصلاة، (( وصلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاة الرجل مع رجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وما كانوا أكثر فهو أحب إلى الله عز وجل )) [حديث حسن رواه أبو داود رحمه الله ]
وبما أن الله يحب صلاة الوتر، فالذي يحب الله يحرص عليها، قال عليه الصلاة والسلام : (( إن الله وتر يحب الوتر فأوتروا يا أهل القرآن ))، قال ابن القيم رحمه الله : وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته، فهو عليم يحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، وتر يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفو يحب العفو وأهله، حيي يحب الحياء وأهله، بر يحب الأبرار، شكور يحب الشاكرين، صبور يحب الصابرين، حليم يحب أهل الحلم.
من الناس الذين يحبهم الله الذين يتصفون بثلاث صفات : التقوى والخفاء والنقاء كما جاء في الحديث الصحيح ((إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعَبْدَ: التَّقِيَّ، الْغَنِيَّ، الْخَفِيَّ)) [رواه مسلم رحمه الله ] .
المتقون يجتنبون أسباب سخطه لفعل ما أمر به وترك ما نهى عنه، ومن هو الغني صاحب كثرة المال ؟ كلا والله، أنه الذي هو غني بقلبه، ((لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ [متاع الدنيا]، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ)) [رواه البخاري ومسلم].
أما الخفي، الذي يحبه الله، خامل الذكر، غير المشتهر بين الناس، الذي لا يحرص على حب الظهور، لأن حب الظهور يقصم الظهور، البعيد عن الأضواء...
احرصْ على إخمالِ ذكرِكَ في غنى وتملَّ بالأورادِ والأذكـــارِ
ما العيشُ إلا في الخمول مع الغـنى وفي الاشتهار نهاية الأخـطار
واقنعْ فما كنزُ القـــناعةِ نافداً وكفـــى بها عزّاً لغير مُمارِ
وقد يشهر الله سيرة أهل الفضل دون قصدهم، فهذا محمود، فأما من سعى إليها فهو المذموم، وأما النقي نقي القلب لا بغض ولا حسد، فيحبه الله عز وجل.
يحب الله الوفاء بالعهد،{بَلَى مَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ وَاتَّقَى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ} (76) سورة آل عمران. الذين يوفون بالعقود، الذين يوفون بالعهود، الذين لا ينكثون بالمواثيق ولا يغدرون.
يحب الله ذكره والذي يكثر من ذكره. يقول معاذ رضي الله عنه سألت النبي صلى الله عليه وسلم أي الأعمال أحب إلى الله تعالى قال : (( أن تموت ولسانك ربطاً من ذكر الله )) .
تلازم الذكر حتى يحضرك الموت وأنت لا تدري متى يحضرك الموت فكن ملازماً للذكر دائماً، ومن الذكر الذي يحبه الله التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير كما جاء في قول المصطفى عليه الصلاة والسلام : ((أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ)).
وإنما كانت هذه الكلمات هي الأحب إلى الله عز وجل لاشتمالها على تنزيهه وحمده وإثبات الوحدانية والأكبرية له، ((لا يضرك بأيهن بدأت))، فإنك تثبت الحمد له على صفاته الجميلة بعدما نزهته عن القبائح، و تثبت الوحدانية والأكبرية تحلية وبياناً لصفات الكمال التي اتصف به سبحانه وتعالى.
يتبع