القرضاوي: فقهاء العوام أخطر من فقهاء السلطان
فقهاء العوام أخطر من الفقهاء الذين يرضون السلطان؛ لأن من يحاولون إرضاء السلطان مكشوفون ومعروفون، وبالتالي فإن تأثيرهم محدود، خلافا لمن يتطلعون لإرضاء الناس؛ حيث يصعب كشفهم فينتشر الفساد بفعل فتاواهم وآرائهم المدمرة..".
هكذا قرر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحلقة الأسبوعية من برنامج "مدارك" بقناة "أنا" الفضائية، والتي أذيعت الخميس 30/7/2009.
وشدد القرضاوي على خطورة هذا النوع من الفقهاء والمفتين الذين يتهيبون الجماهير فيفتون تبعا لأهوائهم، محذرا في الوقت نفسه من علاقة الفقيه والمفتي بالحاكم، رافضا أن يقوم المفتي بـ"إنتاج الفتاوى مجاملة للسلطان، ومحاولة لإرضاء هوى الدولة"!.
الحلقة التي دار موضوعها حول الاجتهاد وضرورته لتجديد الفقه الإسلامي أوضح فيها القرضاوي أن "الاجتهاد هو الطريق إلى تجديد الشريعة الإسلامية وتهيئتها حتى تحل مشاكل الناس في كل مكان وفي أي زمان".
ولفت إلى أن "عصرنا اليوم أحوج ما يكون إلى الاجتهاد، خلاف العصور السابقة التي كانت الكتب فيها تكفي الناس لحل مشاكلهم نظرا لرتابة الحياة حينها، وخلوها من التعقيدات المعاصرة.
ونبه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على حتمية التجديد والاجتهاد، مشيرا إلى مخالفة أصحاب أبي حنيفة له في أكثر من ثلث مذهبه وهم الذين جاءوا بعده بـ30 سنة، فكيف لأكثر من 14 قرنا، تغير فيهم وجه العالم بفعل الثورات العلمية والتقدم التكنولوجي الكبير؟!
وتابع: إن عصر السرعة والتغير الذي نحياه اليوم يفرض تساؤلات جديدة تحتاج إلى أجوبة شافية، وهذا يحتاج أيضا إلى التجديد والاجتهاد لتفسير كل الظواهر التي تحيط بنا، لافتا إلى أن العصور الإسلامية المختلفة على امتدادها لم تخل من أئمة التجديد والاجتهاد.
الاجتهاد منهج تأسيسي
ودلل القرضاوي على حيوية الاجتهاد وعدم استغناء الشريعة الإسلامية عنه بموقف العلماء قديما من أشد مناصب الدولة حساسية "الخليفة والقاضي والمفتي"؛ حيث اشترطوا ضرورة أن يكون صاحب هذه المناصب مجتهدا.
غير أن ذلك شهد تراجعا في الأزمنة المتأخرة بسبب فتور الهمم وتواكل الناس على الأقدمين –حسبما يرى القرضاوي– مشيرا إلى لجوئهم في هذه الأزمنة إلى الاجتهاد الجزئي في بعض المسائل دون الاجتهاد الكلي!!.
وفي محاولة لتعريف المجتهد قال القرضاوي: "المجتهد هو من يجتهد في استنباط الأحكام من الأدلة وفق ضوابط شرعية، ويبذل أقصى طاقته للوصول إلى الرأي الصائب".
ووضع القرضاوي بعض الشروط العلمية والخلقية والدينية التي يرى وجوب توافرها في المجتهد مثل: التأهيل العلمي العالي، والمعرفة الكافية بالكتاب والسنة والفقه، والإلمام بالمسائل التي اختلف فيها الفقهاء، والقدرة على تمثل الواقع وتحقيق مقاصد الشريعة.
وفرق بين منطقتين شرعيتين إحداهما قابلة للاجتهاد والتجديد، والأخرى "مغلقة" لا تقبل الاجتهاد؛ لأنها تتعلق بالثوابت التي وردت بها النصوص الثابتة القطعية.
ويرى القرضاوي أن المجتهد لا يلزمه أن يكون موسوعيا في كل شيء، ولكن في المقابل "عليه أن ينزل إلى الواقع وألا يعيش وحده في برجه العاجي"، مضيفا "أنه ليس من الضروري أن يكون المجتهد عالما بكل الأمور بشكل مباشر، ولكن مسموح له أن يستعين "بواسطة" يشرح له أمرا معينا حتى يستطيع أن يعطي الرأي الصائب".
ويضرب الشيخ على ذلك مثلا: أنه لو طُلِبَ من المجتهد أن يعطي رأيا في أمر اقتصادي فمسموح له أن يستفسر ويستوضح الأمر من أهل الاقتصاد، وكذلك البت في الأمور المتعلقة برؤية الأهلة، عليه أن يستعين فيها بأهل الفلك وهكذا.
وهذا لا ينفي أهمية أن يتمتع المجتهد بالحد الأدنى من ثقافة عصره ومن العلوم الحديثة كي يكون قادرا على الاجتهاد، ولا يشدد على الناس فيما لا يحتمل التشديد، ولا يبسط في الأمور المعقدة، وفقًا لكلام القرضاوي.
فتنة سد الذرائع
ويؤكد الشيخ أن المبالغة في سد الذرائع تجلب على الناس مفاسد كثيرة؛ لأنها تضيق عليهم في أمور لا تحتمل التضييق مثل: إغلاق النوافذ، ومنع المرأة من العمل -ولو كان بالضوابط الشرعية التي تكفل مشروعيته- لافتا إلى أن الناس يضيعون الحقيقة بين الغلو والتفريط.
وفي إشارة إلى موقع الفتوى من حياة الناس يقول الشيخ: "إن الناس ليسوا مطالبين بالسؤال في كل شيء؛ حيث إن الله أوضح لنا في ديننا الكثير من الأمور التي لا تحتمل الجدل".
ونبه إلى أن كثرة السؤال قد تجلب التضييق في أمر يسره الله تعالى، مستشهدا بما جاء في سورة البقرة (الآيات من 67 إلى 71) من أمر موسى مع قومه حين أخبرهم أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألونه عن ماهيتها ولونها ومميزاتها حتى شدد الله عليهم في أمرها، ولو أطاعوه ابتداء وذبحوا –دون أسئلة- أي بقرة لكان خيرا لهم.
الاجتهاد الجماعي
وأوصى القرضاوي بالاجتهاد الجماعي في القضايا الكبيرة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الاجتهاد هو ما كان متبعا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ حيث كان النبي يستشير الصحابة في كثير من الأمور مثلما حدث في غزوة بدر وغيرها.
وأضاف أن الاجتهاد الجماعي له أصل في تراثنا، ولهذا أنشئت المجامع الفقهية العصرية، التي يجتمع فيها الفقهاء ليصلوا إلى رأي راجح مجمع عليه.
كما أكد أنه ليس بالضرورة أن يحوز الرأي على إجماع الجميع، بل يكفي أن يأخذ أصوات الأغلبية فقط، فهو على كل حال أفضل من رأي الشخص الواحد وأكثر سدادا.
المصدر: موقع مدارك / إسلام أونلاين.نت
فقهاء العوام أخطر من الفقهاء الذين يرضون السلطان؛ لأن من يحاولون إرضاء السلطان مكشوفون ومعروفون، وبالتالي فإن تأثيرهم محدود، خلافا لمن يتطلعون لإرضاء الناس؛ حيث يصعب كشفهم فينتشر الفساد بفعل فتاواهم وآرائهم المدمرة..".
هكذا قرر العلامة الدكتور يوسف القرضاوي في الحلقة الأسبوعية من برنامج "مدارك" بقناة "أنا" الفضائية، والتي أذيعت الخميس 30/7/2009.
وشدد القرضاوي على خطورة هذا النوع من الفقهاء والمفتين الذين يتهيبون الجماهير فيفتون تبعا لأهوائهم، محذرا في الوقت نفسه من علاقة الفقيه والمفتي بالحاكم، رافضا أن يقوم المفتي بـ"إنتاج الفتاوى مجاملة للسلطان، ومحاولة لإرضاء هوى الدولة"!.
الحلقة التي دار موضوعها حول الاجتهاد وضرورته لتجديد الفقه الإسلامي أوضح فيها القرضاوي أن "الاجتهاد هو الطريق إلى تجديد الشريعة الإسلامية وتهيئتها حتى تحل مشاكل الناس في كل مكان وفي أي زمان".
ولفت إلى أن "عصرنا اليوم أحوج ما يكون إلى الاجتهاد، خلاف العصور السابقة التي كانت الكتب فيها تكفي الناس لحل مشاكلهم نظرا لرتابة الحياة حينها، وخلوها من التعقيدات المعاصرة.
ونبه رئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين على حتمية التجديد والاجتهاد، مشيرا إلى مخالفة أصحاب أبي حنيفة له في أكثر من ثلث مذهبه وهم الذين جاءوا بعده بـ30 سنة، فكيف لأكثر من 14 قرنا، تغير فيهم وجه العالم بفعل الثورات العلمية والتقدم التكنولوجي الكبير؟!
وتابع: إن عصر السرعة والتغير الذي نحياه اليوم يفرض تساؤلات جديدة تحتاج إلى أجوبة شافية، وهذا يحتاج أيضا إلى التجديد والاجتهاد لتفسير كل الظواهر التي تحيط بنا، لافتا إلى أن العصور الإسلامية المختلفة على امتدادها لم تخل من أئمة التجديد والاجتهاد.
الاجتهاد منهج تأسيسي
ودلل القرضاوي على حيوية الاجتهاد وعدم استغناء الشريعة الإسلامية عنه بموقف العلماء قديما من أشد مناصب الدولة حساسية "الخليفة والقاضي والمفتي"؛ حيث اشترطوا ضرورة أن يكون صاحب هذه المناصب مجتهدا.
غير أن ذلك شهد تراجعا في الأزمنة المتأخرة بسبب فتور الهمم وتواكل الناس على الأقدمين –حسبما يرى القرضاوي– مشيرا إلى لجوئهم في هذه الأزمنة إلى الاجتهاد الجزئي في بعض المسائل دون الاجتهاد الكلي!!.
وفي محاولة لتعريف المجتهد قال القرضاوي: "المجتهد هو من يجتهد في استنباط الأحكام من الأدلة وفق ضوابط شرعية، ويبذل أقصى طاقته للوصول إلى الرأي الصائب".
ووضع القرضاوي بعض الشروط العلمية والخلقية والدينية التي يرى وجوب توافرها في المجتهد مثل: التأهيل العلمي العالي، والمعرفة الكافية بالكتاب والسنة والفقه، والإلمام بالمسائل التي اختلف فيها الفقهاء، والقدرة على تمثل الواقع وتحقيق مقاصد الشريعة.
وفرق بين منطقتين شرعيتين إحداهما قابلة للاجتهاد والتجديد، والأخرى "مغلقة" لا تقبل الاجتهاد؛ لأنها تتعلق بالثوابت التي وردت بها النصوص الثابتة القطعية.
ويرى القرضاوي أن المجتهد لا يلزمه أن يكون موسوعيا في كل شيء، ولكن في المقابل "عليه أن ينزل إلى الواقع وألا يعيش وحده في برجه العاجي"، مضيفا "أنه ليس من الضروري أن يكون المجتهد عالما بكل الأمور بشكل مباشر، ولكن مسموح له أن يستعين "بواسطة" يشرح له أمرا معينا حتى يستطيع أن يعطي الرأي الصائب".
ويضرب الشيخ على ذلك مثلا: أنه لو طُلِبَ من المجتهد أن يعطي رأيا في أمر اقتصادي فمسموح له أن يستفسر ويستوضح الأمر من أهل الاقتصاد، وكذلك البت في الأمور المتعلقة برؤية الأهلة، عليه أن يستعين فيها بأهل الفلك وهكذا.
وهذا لا ينفي أهمية أن يتمتع المجتهد بالحد الأدنى من ثقافة عصره ومن العلوم الحديثة كي يكون قادرا على الاجتهاد، ولا يشدد على الناس فيما لا يحتمل التشديد، ولا يبسط في الأمور المعقدة، وفقًا لكلام القرضاوي.
فتنة سد الذرائع
ويؤكد الشيخ أن المبالغة في سد الذرائع تجلب على الناس مفاسد كثيرة؛ لأنها تضيق عليهم في أمور لا تحتمل التضييق مثل: إغلاق النوافذ، ومنع المرأة من العمل -ولو كان بالضوابط الشرعية التي تكفل مشروعيته- لافتا إلى أن الناس يضيعون الحقيقة بين الغلو والتفريط.
وفي إشارة إلى موقع الفتوى من حياة الناس يقول الشيخ: "إن الناس ليسوا مطالبين بالسؤال في كل شيء؛ حيث إن الله أوضح لنا في ديننا الكثير من الأمور التي لا تحتمل الجدل".
ونبه إلى أن كثرة السؤال قد تجلب التضييق في أمر يسره الله تعالى، مستشهدا بما جاء في سورة البقرة (الآيات من 67 إلى 71) من أمر موسى مع قومه حين أخبرهم أن الله يأمرهم أن يذبحوا بقرة، فأخذوا يسألونه عن ماهيتها ولونها ومميزاتها حتى شدد الله عليهم في أمرها، ولو أطاعوه ابتداء وذبحوا –دون أسئلة- أي بقرة لكان خيرا لهم.
الاجتهاد الجماعي
وأوصى القرضاوي بالاجتهاد الجماعي في القضايا الكبيرة، مشيرا إلى أن هذا النوع من الاجتهاد هو ما كان متبعا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؛ حيث كان النبي يستشير الصحابة في كثير من الأمور مثلما حدث في غزوة بدر وغيرها.
وأضاف أن الاجتهاد الجماعي له أصل في تراثنا، ولهذا أنشئت المجامع الفقهية العصرية، التي يجتمع فيها الفقهاء ليصلوا إلى رأي راجح مجمع عليه.
كما أكد أنه ليس بالضرورة أن يحوز الرأي على إجماع الجميع، بل يكفي أن يأخذ أصوات الأغلبية فقط، فهو على كل حال أفضل من رأي الشخص الواحد وأكثر سدادا.
المصدر: موقع مدارك / إسلام أونلاين.نت