الشعر بين الحل والحرمة
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم
خلاصة القول في هذا الشأن الذي تحدث فيه الكثير قديما وحديثا أن الشعر كلام كسائر الكلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح، وكما نعلم فإن الأصل في كل شيء الإباحة ما لم يأت دليل بعكس هذا.
ما جاءَ في القُرآنِ بِهَذا الشَّأن:
وقد يستدل البعض بقول الله تعالى "والشَعَراءُ يَتبِعُهم الغَاوون. آَلمْ تَرَ أَنّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون. وأَنّهم يَقُولون ما لا يفعلونْ."،، فإن الرد على هذا بأن يطلب من قائله إكمال الآيات فإن الله تعالى يقول: "إلا الذين آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانتصروا مِن بَعد ما ظُلموا وسَيَعْلَم الذين ظَلَموا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلبون"، فهذا دليل على إباحة الشعر كسائر الكلام والأعمال ما لم يأت ما يمنع من إباحته أو يقضي بكراهته أو حرمته، ولعل أحدهم يسأل عن سبب تقديم الإنكار على الإباحة في الآية فنقول أنه لما كان حال أغلب الشعراء أنهم على ما هو مكروه أو محرم جاءت الآية بالأعم ثم استثنت، وكذلك فإن المقصود بنص الآيه هم شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء.
ما جاءَ في السُّنَّةِ بِهَذا الشَّأن:
أما ما جاء في السنة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا الشّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشّيْطَانَ، لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً"، فإن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به وحده وإلا لكان الظاهر أن الشعر كله مكروه أومحرم وأنه خبث،
وهذا لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا"، وقوله لحسان رضي الله عنه لما أراد أن يهجو قريش " اهجهم وروح القدس معك، واستعن بأبي بكر، فإنه علامة قريش بأنساب العرب "، وكذا استماعه لكعب بن زهير لما جاء مسلما وانشده قصيدته المشهروة "بانت سعاد" التي استحسنها الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته وسميت بها، وحديث عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً. فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ شَيْءٌ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "هِيهِ" فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: "هِيهِ" ثُمّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: "هِيهِ" حَتّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ"، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الشّعَرَاءُ: أَلاَ كُلّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللّهَ بَاطِلٌ"، وحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فإن قيل كيف نجمع بين هذه الأدلة وظاهرها التعارض، قلنا إن هذا الدين معصوم من التعارض ولهذا فإن الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة لا يكون إلا بالتفريق ببن أنواع الشعر وحملها على أن الشعر منه المكروه المحرم وهو الذي قصد بالحديث الأول ومنه المباح والمستحب وهو الذي قصد بالحديث الثاني والثالث، وكذلك فإن الحديث الأول يحمل على من غلب الشعر على قلبه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه.
والفائدة أن الشعر يتنوع ما بين مستحب ومباح ومكروه ومحرم، أما المستحب فما كان لغرض نبيل كالدفاع عن الدين أو النبي أو الوطن، أو في الزهد أو الدعوة إلى الله، وأما المكروه فما لا نفع فيه وما قد يوصل إلى محرم، وأما المحرم فما فيه تشبيب أو غزل فاضح أو ما يعارض الدين أو يلهي عن ذكر الله وما إلى ذلك، والمباح ما خرج عن هذه الثلاث، وكذا سائر كلامنا فإنه في معظمه لا يخرج عما يخرج عنه الشعر إلا أن الشعر يزينه بالإيقاع والطرب ويقربه إلى القلب.
بقلم محمد أبو الفتوح غنيم
خلاصة القول في هذا الشأن الذي تحدث فيه الكثير قديما وحديثا أن الشعر كلام كسائر الكلام، حسنه حسن وقبيحه قبيح، وكما نعلم فإن الأصل في كل شيء الإباحة ما لم يأت دليل بعكس هذا.
ما جاءَ في القُرآنِ بِهَذا الشَّأن:
وقد يستدل البعض بقول الله تعالى "والشَعَراءُ يَتبِعُهم الغَاوون. آَلمْ تَرَ أَنّهم في كُلِّ وادٍ يَهيمون. وأَنّهم يَقُولون ما لا يفعلونْ."،، فإن الرد على هذا بأن يطلب من قائله إكمال الآيات فإن الله تعالى يقول: "إلا الذين آمنوا وعَمِلُوا الصَّالحات وذَكَرُوا الله كَثيراً وانتصروا مِن بَعد ما ظُلموا وسَيَعْلَم الذين ظَلَموا أيَّ مُنْقَلب يَنْقَلبون"، فهذا دليل على إباحة الشعر كسائر الكلام والأعمال ما لم يأت ما يمنع من إباحته أو يقضي بكراهته أو حرمته، ولعل أحدهم يسأل عن سبب تقديم الإنكار على الإباحة في الآية فنقول أنه لما كان حال أغلب الشعراء أنهم على ما هو مكروه أو محرم جاءت الآية بالأعم ثم استثنت، وكذلك فإن المقصود بنص الآيه هم شعراء المشركين الذين تناولوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالهجاء.
ما جاءَ في السُّنَّةِ بِهَذا الشَّأن:
أما ما جاء في السنة، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ. قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْعَرْجِ، إِذْ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنْشِدُ. فَقَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم: "خُذُوا الشّيْطَانَ، أَوْ أَمْسِكُوا الشّيْطَانَ، لأَنْ يَمْتَلِئَ جَوْفُ رَجُلٍ قَيْحاً، خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمْتَلِئَ شِعْراً"، فإن هذا الحديث لا يمكن الاستدلال به وحده وإلا لكان الظاهر أن الشعر كله مكروه أومحرم وأنه خبث،
وهذا لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم: " إن من الشعر لحكمة وإن من البيان لسحرا"، وقوله لحسان رضي الله عنه لما أراد أن يهجو قريش " اهجهم وروح القدس معك، واستعن بأبي بكر، فإنه علامة قريش بأنساب العرب "، وكذا استماعه لكعب بن زهير لما جاء مسلما وانشده قصيدته المشهروة "بانت سعاد" التي استحسنها الرسول صلى الله عليه وسلم وأعطاه بردته وسميت بها، وحديث عَمْرِو بْنِ الشّرِيدِ، عَنْ أَبِيهِ. قَالَ: رَدِفْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْماً. فَقَالَ: "هَلْ مَعَكَ مِنْ شِعْرِ أُمَيّةَ بْنِ أَبِي الصّلْتِ شَيْءٌ؟" قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: "هِيهِ" فَأَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: "هِيهِ" ثُمّ أَنْشَدْتُهُ بَيْتاً. فَقَالَ: "هِيهِ" حَتّى أَنْشَدْتُهُ مِائَةَ بَيْتٍ"، وحديث أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النّبِيّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: "أَصْدَقُ بَيْتٍ قَالَتْهُ الشّعَرَاءُ: أَلاَ كُلّ شَيْءٍ مَا خَلاَ اللّهَ بَاطِلٌ"، وحديث عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع لحسان منبرا في المسجد يقوم عليه قائما يفاخر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قال ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله يؤيد حسان بروح القدس ما يفاخر أو ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم"، فإن قيل كيف نجمع بين هذه الأدلة وظاهرها التعارض، قلنا إن هذا الدين معصوم من التعارض ولهذا فإن الجمع بين هذه الأحاديث الثلاثة لا يكون إلا بالتفريق ببن أنواع الشعر وحملها على أن الشعر منه المكروه المحرم وهو الذي قصد بالحديث الأول ومنه المباح والمستحب وهو الذي قصد بالحديث الثاني والثالث، وكذلك فإن الحديث الأول يحمل على من غلب الشعر على قلبه حتى شغله عن دينه وإقامة فروضه.
والفائدة أن الشعر يتنوع ما بين مستحب ومباح ومكروه ومحرم، أما المستحب فما كان لغرض نبيل كالدفاع عن الدين أو النبي أو الوطن، أو في الزهد أو الدعوة إلى الله، وأما المكروه فما لا نفع فيه وما قد يوصل إلى محرم، وأما المحرم فما فيه تشبيب أو غزل فاضح أو ما يعارض الدين أو يلهي عن ذكر الله وما إلى ذلك، والمباح ما خرج عن هذه الثلاث، وكذا سائر كلامنا فإنه في معظمه لا يخرج عما يخرج عنه الشعر إلا أن الشعر يزينه بالإيقاع والطرب ويقربه إلى القلب.