العربي في الأدب العبري
بقلم
الدكتور محمد أيوب
تمهيد:
لا يكاد يذكر اليهودي إلا ويذكرفي مقابله الفلسطيني والعربي، فهما قطبا مغناطيس لا يلتقيان ولا يفترقان وهما مجبران على العيش معاً، منذ حاول الغرب حل المشكلة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني بحجة أن فلسطين وطن بلا شعب، واليهود شعب بلا وطن وقد جاء وعد بلفور سنة 1917 تتويجاً لجهود متواصلة بذلها بالأصل أشخاص من غير اليهود، وإن كانوا من المعدودين على الفكر الصهيوني، فقد قرر اللورد بالمرستون (1784ــ 1865)، الذي شغل منصب وزير خارجية بريطانيا، قرر أن يستخدم اليهود مخلب قط ضد العرب، [1] وفي عام 1880 "نشر أوليفانت وبمبادرة من جانبه كتاباً نادى فيه بالاستيطان اليهودي وإن كان قد استخدم مصطلحاً دينياً أكثر منه سياسياً، وفي عام 1882 استقر أوليفانت في فلسطين ومعه سكرتيره اليهودي نافتالي هير زامبير، مؤلف نشيد هاتكفا(الأمل) الذي أصبح النشيد الوطني الصهيوني(ثم الاسرائيلي فيما بعد) ومن الطريف أن هذا الصهيوني غير اليهودي، قضى بقية حياته في فلسطين مستوطناً، يروج لفكرة الاستيطان اليهودي في حين هاجر مؤلف النشيد الوطني الصهيوني إلى الولايات المتحدة لأنه لم يطق الحياة في أرض الميعاد" [2].
وقد خصص ساسة الغرب الكثير من الوقت و الجهد لخدمة الصهيونية، ومع ذلك بقي الأديب الغربي ممثلاً صريحاً لوجهة النظر غير الرسمية، فقد رصدت الرواية الغربية الشخصية الصهيونية بشكل دقيق [3].
وقد تنازع اليهود اتجاهان:
الاتجاه الأول: الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها بحيث يصبحون مواطنين عاديين لهم ما لبقية المواطنين من حقوق، وعليهم ما على الآخرين من واجبات، و قد طرحت الثورة الفرنسية على اليهود أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى، [4] كما دخل اليهود الخدمة المدنية والقضائية، فكانو يشكلون 58% من مجموع الموظفين والقضاة كما انتخب كثير من اليهود في المجالس النيابية والبلدية، ومنحتهم االحكومة النمساوية حقوقهم السياسية الكاملة سنـ1849ـة " [5].
وقد قاد هذا الاتجاه الارستقراطيون الذين كان الاندماج لا يؤثر عليهم اقتصادياً، لأن خبراتهم كانت من النوع المطلوب لأن معظمهم من الأطباء والمهندسين والمحامين [6]. "ويعد موسى مندلسون (1829ــ1786) الفيلسوف اليهودي الألماني، فيلسوف التنوير اليهودي بالدرجة الأولى، فقد حاول أن يحطم الجيتو العقلي الداخلي الذي أنشأه اليهود داخل أنفسهم لموازنة الجيتو الخارجي الذي كانوا يعيشون فيه" [7] وقد طالب بعض الاصلاحيين ودعاة التنوير بالتخلي عن فكرة شعب الله المختار، تلك الفكرة التي عمقت عزلة اليهود. [8]
وقد كانت النقطة الحاسمة في حياة يهود أوروبا هي رغبتهم في الاندماج في المجتمعات الغربية، وعندما يسود الوئام بين اليهود و أبناء تلك المجتمعات يصبح اليهود جزءاً من هذه المجتمعات، أما في حالة الاختلاف فإن بعض اليهود ينكفي على ذاته ويصبح صهيونياً. [9] وقد انفجرت مشكلة اليهود في روسيا بعد ضمها جزءاً من بولندا تقطنها أعداد كبيرة من اليهود، وبدأت دول شرق أوروبا(روسيا وبولندا) بتصدير الفائض الانساني من اليهود إلى دول الغرب التي لم تعد مجتمعاتها بحاجة إلى اليهود، فلم تعد المجتمعات الأوروبية مجتمعات إقطاعية متخلفة يمكن لليهود أن يعيشوا بين ظهرانيها كما في الماضي، فقد دخلت المجتمعات الأوربية عصر التحديث، وبالتالي لم ترحب بأقلية لا يمكن الاستفادة من أعضائها ومن هنا جاء التفكير بإبعاد اليهود عن أوروبا إلى أي منطقة في العالم [10].
وبانحسار تيار التنوير ظهر الاتجاه الثاني:
الاتجاه الثاني:
وتزعم هذا الاتجاه الكاتب السياسي والداعية الصهيوني بيرتي سمولينسكين (1842ــ1885)، فقد حاولت اليهودية توحيد اليهود عن طريق نوحيد الشعائر التي تؤكد الانفصال، ومن أهم الأفكار اليهودية عقيدة الماشيح، حيث يعتقد اليهود أن الماشيح ملك من نسل داوود سيأتي في نهاية التاريخ ليجمع شباب اليهود ويعود بهم إلى الأرض المقدسة ويتخذ أورشليم عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل، وقد ألغت هذه العقيدة الإحساس بالانتماء الاجتماعي والتاريخي عند اليهود، كما أضعفت الإحساس بالمكان وبالانتماء الجغرافي لديهم، وقد كان اشتغال اليهود بالتجارة سبباً في تنمية عقيدتهم الماشيحانية، فالتاجر لا وطن له [11].
وقد وسم اليهود في تلك ا لفترة بالتخلف، وتدني مستواهم الحضاري في الجيتو، كما أن أفكارهم كانت سخيفة، فقد ثار بينهم جدل حول ما إذا كانت الأحجبة التي يبيعها أحد الحاخامات تحتوي على الماشيح الدجال(شبتاي تسفي) أم لا، كما أن اسحق دويتشر طولب بتوضيح ما إذا كان من الحلال أن يأكل اليهودي بصاق طائر الكيكي يو الذي يأتي كل سبعين عام مرة ليبصق على العالم [12].
وقد ساعد على نمو هذا الاتجاه الانعزالي أن أغلبية اليهود كانت تنتمي إلى طبقة البرجوازية الصغيرة، التي لم يعن الاندماج بالنسبة لها سوى الهبوط في السلم الاجتماعي إلى مرتبة البروليتاريا أو البرجوازية الصغيرة لأن المجتمع ككل لم يكن بحاجة إليهم، ولهذا فإن الحياة داخل أسوار الجيتو لم تكن بالنسبة لهم سيئة لهذا الحد، وهذه الجماهير البرجوازية الصغيرة التي اعتمدت عليها الصهيونية، وكل الحركات القومية اليهودية الأخرى، وهي الجماهير التي تحمست لإنشاء أكبر جيتو في العالم: الدولة اليهودية" [13].
وقد ذهب موسى هس في نفس الاتجاه بعد أن كان ثورياً وصديقاً لكارل ماركس، و قد أعلن في بداية حياته أن (الدين اليهودي والشرع الموسوي قد ماتا) ولكنه يعلن توبته بعد ذلك، ويتحول إلى فيلسوف للنكسة التي أصابت حركة التنوير [14].
يتبع
بقلم
الدكتور محمد أيوب
تمهيد:
لا يكاد يذكر اليهودي إلا ويذكرفي مقابله الفلسطيني والعربي، فهما قطبا مغناطيس لا يلتقيان ولا يفترقان وهما مجبران على العيش معاً، منذ حاول الغرب حل المشكلة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني بحجة أن فلسطين وطن بلا شعب، واليهود شعب بلا وطن وقد جاء وعد بلفور سنة 1917 تتويجاً لجهود متواصلة بذلها بالأصل أشخاص من غير اليهود، وإن كانوا من المعدودين على الفكر الصهيوني، فقد قرر اللورد بالمرستون (1784ــ 1865)، الذي شغل منصب وزير خارجية بريطانيا، قرر أن يستخدم اليهود مخلب قط ضد العرب، [1] وفي عام 1880 "نشر أوليفانت وبمبادرة من جانبه كتاباً نادى فيه بالاستيطان اليهودي وإن كان قد استخدم مصطلحاً دينياً أكثر منه سياسياً، وفي عام 1882 استقر أوليفانت في فلسطين ومعه سكرتيره اليهودي نافتالي هير زامبير، مؤلف نشيد هاتكفا(الأمل) الذي أصبح النشيد الوطني الصهيوني(ثم الاسرائيلي فيما بعد) ومن الطريف أن هذا الصهيوني غير اليهودي، قضى بقية حياته في فلسطين مستوطناً، يروج لفكرة الاستيطان اليهودي في حين هاجر مؤلف النشيد الوطني الصهيوني إلى الولايات المتحدة لأنه لم يطق الحياة في أرض الميعاد" [2].
وقد خصص ساسة الغرب الكثير من الوقت و الجهد لخدمة الصهيونية، ومع ذلك بقي الأديب الغربي ممثلاً صريحاً لوجهة النظر غير الرسمية، فقد رصدت الرواية الغربية الشخصية الصهيونية بشكل دقيق [3].
وقد تنازع اليهود اتجاهان:
الاتجاه الأول: الاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها بحيث يصبحون مواطنين عاديين لهم ما لبقية المواطنين من حقوق، وعليهم ما على الآخرين من واجبات، و قد طرحت الثورة الفرنسية على اليهود أن يصبحوا مواطنين من الدرجة الأولى، [4] كما دخل اليهود الخدمة المدنية والقضائية، فكانو يشكلون 58% من مجموع الموظفين والقضاة كما انتخب كثير من اليهود في المجالس النيابية والبلدية، ومنحتهم االحكومة النمساوية حقوقهم السياسية الكاملة سنـ1849ـة " [5].
وقد قاد هذا الاتجاه الارستقراطيون الذين كان الاندماج لا يؤثر عليهم اقتصادياً، لأن خبراتهم كانت من النوع المطلوب لأن معظمهم من الأطباء والمهندسين والمحامين [6]. "ويعد موسى مندلسون (1829ــ1786) الفيلسوف اليهودي الألماني، فيلسوف التنوير اليهودي بالدرجة الأولى، فقد حاول أن يحطم الجيتو العقلي الداخلي الذي أنشأه اليهود داخل أنفسهم لموازنة الجيتو الخارجي الذي كانوا يعيشون فيه" [7] وقد طالب بعض الاصلاحيين ودعاة التنوير بالتخلي عن فكرة شعب الله المختار، تلك الفكرة التي عمقت عزلة اليهود. [8]
وقد كانت النقطة الحاسمة في حياة يهود أوروبا هي رغبتهم في الاندماج في المجتمعات الغربية، وعندما يسود الوئام بين اليهود و أبناء تلك المجتمعات يصبح اليهود جزءاً من هذه المجتمعات، أما في حالة الاختلاف فإن بعض اليهود ينكفي على ذاته ويصبح صهيونياً. [9] وقد انفجرت مشكلة اليهود في روسيا بعد ضمها جزءاً من بولندا تقطنها أعداد كبيرة من اليهود، وبدأت دول شرق أوروبا(روسيا وبولندا) بتصدير الفائض الانساني من اليهود إلى دول الغرب التي لم تعد مجتمعاتها بحاجة إلى اليهود، فلم تعد المجتمعات الأوروبية مجتمعات إقطاعية متخلفة يمكن لليهود أن يعيشوا بين ظهرانيها كما في الماضي، فقد دخلت المجتمعات الأوربية عصر التحديث، وبالتالي لم ترحب بأقلية لا يمكن الاستفادة من أعضائها ومن هنا جاء التفكير بإبعاد اليهود عن أوروبا إلى أي منطقة في العالم [10].
وبانحسار تيار التنوير ظهر الاتجاه الثاني:
الاتجاه الثاني:
وتزعم هذا الاتجاه الكاتب السياسي والداعية الصهيوني بيرتي سمولينسكين (1842ــ1885)، فقد حاولت اليهودية توحيد اليهود عن طريق نوحيد الشعائر التي تؤكد الانفصال، ومن أهم الأفكار اليهودية عقيدة الماشيح، حيث يعتقد اليهود أن الماشيح ملك من نسل داوود سيأتي في نهاية التاريخ ليجمع شباب اليهود ويعود بهم إلى الأرض المقدسة ويتخذ أورشليم عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل، وقد ألغت هذه العقيدة الإحساس بالانتماء الاجتماعي والتاريخي عند اليهود، كما أضعفت الإحساس بالمكان وبالانتماء الجغرافي لديهم، وقد كان اشتغال اليهود بالتجارة سبباً في تنمية عقيدتهم الماشيحانية، فالتاجر لا وطن له [11].
وقد وسم اليهود في تلك ا لفترة بالتخلف، وتدني مستواهم الحضاري في الجيتو، كما أن أفكارهم كانت سخيفة، فقد ثار بينهم جدل حول ما إذا كانت الأحجبة التي يبيعها أحد الحاخامات تحتوي على الماشيح الدجال(شبتاي تسفي) أم لا، كما أن اسحق دويتشر طولب بتوضيح ما إذا كان من الحلال أن يأكل اليهودي بصاق طائر الكيكي يو الذي يأتي كل سبعين عام مرة ليبصق على العالم [12].
وقد ساعد على نمو هذا الاتجاه الانعزالي أن أغلبية اليهود كانت تنتمي إلى طبقة البرجوازية الصغيرة، التي لم يعن الاندماج بالنسبة لها سوى الهبوط في السلم الاجتماعي إلى مرتبة البروليتاريا أو البرجوازية الصغيرة لأن المجتمع ككل لم يكن بحاجة إليهم، ولهذا فإن الحياة داخل أسوار الجيتو لم تكن بالنسبة لهم سيئة لهذا الحد، وهذه الجماهير البرجوازية الصغيرة التي اعتمدت عليها الصهيونية، وكل الحركات القومية اليهودية الأخرى، وهي الجماهير التي تحمست لإنشاء أكبر جيتو في العالم: الدولة اليهودية" [13].
وقد ذهب موسى هس في نفس الاتجاه بعد أن كان ثورياً وصديقاً لكارل ماركس، و قد أعلن في بداية حياته أن (الدين اليهودي والشرع الموسوي قد ماتا) ولكنه يعلن توبته بعد ذلك، ويتحول إلى فيلسوف للنكسة التي أصابت حركة التنوير [14].
يتبع