دعوة إلى ترك الجفاء
يتعرض الكثير منا في حياته اليومية إلى بعض أجواء الحوار والنقاش الحاد التي تسبب اصابات خطيرة على: سلامة الصدر، صفاء العلاقات الأخوية، حسن الظن، حسن الخلق ... وغيرها من الأخلاق الكريمة والصفات الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله، وكذلك نجد من يجفو ويهجر من له الفضل في هدايته وتربيته وصلاح أمره، ونجد الآخر يجفو اخوانه وأقرانه في الدعوة إلى الله الذين طالما جلس معهم فأفادوه وأفادهم، واذا سألته ما هذا الجفاء؟ رد عليك قائلا: الاخوة لا يقدرون.. أمضيت سنين في الدعوة ولا أحد يبادر معي.. إلى غيرها من الردود التي قد تصدر منا ويغلب عليها في كثير من الأحيان انتصار لأنفسنا وموافقة لطبائعنا.
فمن الجميل أن يبدي الواحد منا وجهة نظره ورأيه في جلسات الحوار والمناقشة ولكن الأجمل من ذلك ان تكون له القدرة على ضبط انفعالاته في حالة النقاش، وأن يتحلى بحسن الخلق وحسن الظن باخوانه في الله، وألا يتجاوز حوارنا إلى حد الخصومة والجفاء الذي نهينا عنه شرعاً، فالألفة والتآلف والتآخي في الله من ثمار حسن الخلق، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (رواه ابن حبان).
وإليك أخي الكريم واختي الكريمة بعض الوسائل التي تساعدك في التغلب على الجفاء الذي قد يصيب علاقتنا الاخوية.
المناصحة والمصارحة
مصارحة اخوانك الذين تجد جفوة بينك وبينهم بالتصرفات التي تصدر منهم وتضايقك، واحرص أن تكون المصارحة والمناصحة خالصة لوجه الله تعالى وفي اطار أدب النصيحة، وأن تكون بأسلوب لطيف وفي وقت مناسب، واعلم أن ما نقوم به من النصيحة هو الطريق الصحيح الذي يجنبنا أجواء البغض والشحناء، فعن جرير بن عبدالله (رضي الله عنه) قال «بايعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» (متفق عليه) قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سراً.
العفو.. العفو
يا ليتنا نقرأ السيرة العطرة ونرى كم لاقى النبي (صلى الله عليه وسلم) من إيذاء في نفسه وأهله وأصحابه من قبل قريش، وبعد هذا يصفح عنهم وهو في قمة انتصاره، فأسأل الله أن يجملنا بأخلاق النبوة.. لما فتح النبي (صلى الله عليه وسلم) مكة سنة ثمان من الهجرة قال لقريش «ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فالعفو عن الزلات والهفوات من صفات إخوان الصدق، وما أجمل ما قاله الإمام أبوحامد الغزالي رحمه الله «وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية، أو في حقك بتقصيره في الأخوة، أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم عوده ويجمع شمله ويعيده إلى الصلاح والورع، أما تقصيره في حقك فالأولى العفو والاحتمال، فقد قيل ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك فتقول لقلبك: ما أقساك يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله فأنت المعيب لا أخوك»، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
ولما عفوت ولم أحقد على أحدٍ
أرحت نفسي من هم العداوات
اختلاف الطبائع
يجب أن نعلم ان الناس أجناس وطبائع وأخلاق فتجد بعضهم طبيعته الشدة في التعامل والآخر كثير الكلام قليل العمل وغيرها من أصناف الناس التي قد نتعامل معهم، فلقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»، وعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب» (سنن أبي داود) لذا يجب عليك أن تكون حذقاً فطنا تعرف التعامل معهم جميعاً وتكون محبوباً بينهم حتى تؤثر فيهم بما تحمله من خير، وإياك والمداهنة، وإن لم تصبر في تعاملك معهم فلا تقصر في حقوق الأخوة، ولا تنس طلاقة الوجه، وما أجمل ما تمثل به الشعراء في ذلك:
الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم
لا يستوون كما لا يستوي الشجر
هذا له ثمر حلو مذاقته
وذاك ليس له طعم ولا ثمر
٭٭٭٭٭
الناس كالأرض ومنها هُمُ
فمن خشن الطبع ومن ليّن
فجندل تدمى به أرجل
وإثمد يُوضع في الأعين
التربية الإيمانية ورقي الإحساس
علينا أن نربي أنفسنا التربية الإيمانية التي تجعلنا ذوي إحساس راق نستشعر أثره في التعامل مع ما قاله الله عز وجل وما قاله النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلقد قال الله تعالى {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10) وقال الله عز وجل في الحديث القدسي «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» (رواه الترمذي) وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم)، وقال في الحديث الآخر «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (رواه مسلم)، والآيات والأحاديث وأقوال الصالحين في ذلك كثيرة ولكن تريد من يتلقى للتنفيذ.
الدعاء بظهر الغيب
أن ندعو لاخواننا بظهر الغيب، وندعو لهم بالتوفيق والصلاح بدوام نعمة التآخي في الله وبما نحبه لأنفسنا، ودعاؤك أخي الحبيب لأخيك بظهر الغيب يؤكد محبتك الصادقة لأخيك واعلم أن الدعاء بظهر الغيب من أسرع الدعوات إجابة قال (صلى الله عليه وسلم) «أسرع الدعاء اجابة دعاء غائب لغائب» (ضعيف الأدب المفرد)
وفي الختام هي دعوة إلى ترك الجفاء والشحناء مع إخواننا وأحبابنا وما أجمل ما قاله الشافعي رحمه الله:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خير في خلٍ يجيء تكلفا
ولاخير في خلٍ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
من الجميل ابداء الرأي بحرية .. ولكن الأجمل ضبط الانفعالات في النقاش.
اخترتها لكم من مجلة الوعي الإسلامي التاريخ 2009-07-23
العدد رقم: 526
يتعرض الكثير منا في حياته اليومية إلى بعض أجواء الحوار والنقاش الحاد التي تسبب اصابات خطيرة على: سلامة الصدر، صفاء العلاقات الأخوية، حسن الظن، حسن الخلق ... وغيرها من الأخلاق الكريمة والصفات الفاضلة التي يجب أن يتحلى بها الدعاة إلى الله، وكذلك نجد من يجفو ويهجر من له الفضل في هدايته وتربيته وصلاح أمره، ونجد الآخر يجفو اخوانه وأقرانه في الدعوة إلى الله الذين طالما جلس معهم فأفادوه وأفادهم، واذا سألته ما هذا الجفاء؟ رد عليك قائلا: الاخوة لا يقدرون.. أمضيت سنين في الدعوة ولا أحد يبادر معي.. إلى غيرها من الردود التي قد تصدر منا ويغلب عليها في كثير من الأحيان انتصار لأنفسنا وموافقة لطبائعنا.
فمن الجميل أن يبدي الواحد منا وجهة نظره ورأيه في جلسات الحوار والمناقشة ولكن الأجمل من ذلك ان تكون له القدرة على ضبط انفعالاته في حالة النقاش، وأن يتحلى بحسن الخلق وحسن الظن باخوانه في الله، وألا يتجاوز حوارنا إلى حد الخصومة والجفاء الذي نهينا عنه شرعاً، فالألفة والتآلف والتآخي في الله من ثمار حسن الخلق، فقد قال النبي (صلى الله عليه وسلم) «المؤمن إلف مألوف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف (رواه ابن حبان).
وإليك أخي الكريم واختي الكريمة بعض الوسائل التي تساعدك في التغلب على الجفاء الذي قد يصيب علاقتنا الاخوية.
المناصحة والمصارحة
مصارحة اخوانك الذين تجد جفوة بينك وبينهم بالتصرفات التي تصدر منهم وتضايقك، واحرص أن تكون المصارحة والمناصحة خالصة لوجه الله تعالى وفي اطار أدب النصيحة، وأن تكون بأسلوب لطيف وفي وقت مناسب، واعلم أن ما نقوم به من النصيحة هو الطريق الصحيح الذي يجنبنا أجواء البغض والشحناء، فعن جرير بن عبدالله (رضي الله عنه) قال «بايعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم» (متفق عليه) قال الحافظ ابن رجب رحمه الله: كان السلف إذا أرادوا نصيحة أحد وعظوه سراً.
العفو.. العفو
يا ليتنا نقرأ السيرة العطرة ونرى كم لاقى النبي (صلى الله عليه وسلم) من إيذاء في نفسه وأهله وأصحابه من قبل قريش، وبعد هذا يصفح عنهم وهو في قمة انتصاره، فأسأل الله أن يجملنا بأخلاق النبوة.. لما فتح النبي (صلى الله عليه وسلم) مكة سنة ثمان من الهجرة قال لقريش «ما ترون أني فاعل بكم؟» قالوا: خيراً، أخ كريم وابن أخ كريم، فقال «اذهبوا فأنتم الطلقاء» فالعفو عن الزلات والهفوات من صفات إخوان الصدق، وما أجمل ما قاله الإمام أبوحامد الغزالي رحمه الله «وهفوة الصديق لا تخلو إما أن تكون في دينه بارتكاب معصية، أو في حقك بتقصيره في الأخوة، أما ما يكون في الدين من ارتكاب معصية والإصرار عليها فعليك التلطف في نصحه بما يقوم عوده ويجمع شمله ويعيده إلى الصلاح والورع، أما تقصيره في حقك فالأولى العفو والاحتمال، فقد قيل ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك فتقول لقلبك: ما أقساك يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله فأنت المعيب لا أخوك»، يقول الإمام الشافعي رحمه الله:
ولما عفوت ولم أحقد على أحدٍ
أرحت نفسي من هم العداوات
اختلاف الطبائع
يجب أن نعلم ان الناس أجناس وطبائع وأخلاق فتجد بعضهم طبيعته الشدة في التعامل والآخر كثير الكلام قليل العمل وغيرها من أصناف الناس التي قد نتعامل معهم، فلقد روى الإمام مسلم عن أبي هريرة (رضي الله عنه) عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «الناس معادن كمعادن الفضة والذهب، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والأرواح جنود مجندة، فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف»، وعن أبي موسى الأشعري (رضي الله عنه) أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال «إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض فجاء بنو آدم على قدر الأرض، فجاء منهم الأحمر والأبيض والأسود وبين ذلك، والسهل والحزن والخبيث والطيب» (سنن أبي داود) لذا يجب عليك أن تكون حذقاً فطنا تعرف التعامل معهم جميعاً وتكون محبوباً بينهم حتى تؤثر فيهم بما تحمله من خير، وإياك والمداهنة، وإن لم تصبر في تعاملك معهم فلا تقصر في حقوق الأخوة، ولا تنس طلاقة الوجه، وما أجمل ما تمثل به الشعراء في ذلك:
الناس شتى إذا ما أنت ذقتهم
لا يستوون كما لا يستوي الشجر
هذا له ثمر حلو مذاقته
وذاك ليس له طعم ولا ثمر
٭٭٭٭٭
الناس كالأرض ومنها هُمُ
فمن خشن الطبع ومن ليّن
فجندل تدمى به أرجل
وإثمد يُوضع في الأعين
التربية الإيمانية ورقي الإحساس
علينا أن نربي أنفسنا التربية الإيمانية التي تجعلنا ذوي إحساس راق نستشعر أثره في التعامل مع ما قاله الله عز وجل وما قاله النبي (صلى الله عليه وسلم)، فلقد قال الله تعالى {إنما المؤمنون إخوة} (الحجرات:10) وقال الله عز وجل في الحديث القدسي «المتحابون في جلالي لهم منابر من نور يغبطهم النبيون والشهداء» (رواه الترمذي) وقال النبي (صلى الله عليه وسلم) «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (رواه مسلم)، وقال في الحديث الآخر «لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام» (رواه مسلم)، والآيات والأحاديث وأقوال الصالحين في ذلك كثيرة ولكن تريد من يتلقى للتنفيذ.
الدعاء بظهر الغيب
أن ندعو لاخواننا بظهر الغيب، وندعو لهم بالتوفيق والصلاح بدوام نعمة التآخي في الله وبما نحبه لأنفسنا، ودعاؤك أخي الحبيب لأخيك بظهر الغيب يؤكد محبتك الصادقة لأخيك واعلم أن الدعاء بظهر الغيب من أسرع الدعوات إجابة قال (صلى الله عليه وسلم) «أسرع الدعاء اجابة دعاء غائب لغائب» (ضعيف الأدب المفرد)
وفي الختام هي دعوة إلى ترك الجفاء والشحناء مع إخواننا وأحبابنا وما أجمل ما قاله الشافعي رحمه الله:
إذا لم يكن صفو الوداد طبيعة
فلا خير في خلٍ يجيء تكلفا
ولاخير في خلٍ يخون خليله
ويلقاه من بعد المودة بالجفا
من الجميل ابداء الرأي بحرية .. ولكن الأجمل ضبط الانفعالات في النقاش.
اخترتها لكم من مجلة الوعي الإسلامي التاريخ 2009-07-23
العدد رقم: 526