الحمد لله رب العالمين ، أحمد سبحانه وتعالى حمد الشاكرين ، وأتوب إليه واستغفره استغفار المذنبين ، وأساله من فيضه العميم ، وفضله الواسع الكريم أن يثبت نفوسنا على الفضيلة والعلم والحلم والتقوى ، وأن يجعلنا من الذين يستمعون القول[justify] فيبتبعون أحسنه ، والمسلمون جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها .
وأشهد أن لا إله إلا الله له
مطلق الحمد والثناء والكرم والجود والصفاء ، تنزه عن أحوال المخلوقين جميعاً ، فهو الحمد والحامد والمحمود في كل أمر ولكل أمر ، ليس له في خلقه مزاج ، ولا في فعله علاج ، باينهم بقدمه كما باينوه بحدوثهم ، إن قلت متى فقد سبق الوقت كونه ، وإن قلت هو ، فالهاء والواو خلقه ، وإن قلت أين فلقد تقدم الزمان وجوده ، فالحروف آياته ، ومعرفته توحيده ، وتوحيده تمييزه من خلقه ، كل ما تصور في الأوهام فهو بخلافه ، كيف يعود إليه ما منه بدا ، لا تمالقه العيون ، ولا تقابله الظنون ، قربه كرامته ، بعده إهانته ، علوه من غير توقل ، مجيئه من غير تنقل ، هو الأول والآخر ، القريب البعيد الذي ليس كمثله شئ وهو السميع البصير .وأشهد أن لا إله إلا الله له
وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً رسول الله ، اللهم صلي على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه هداة الأنام ومصابيح الظلام إلى يوم الدين ، ورضي اللهم وتعالى عن الصحابة وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
ثم أما بعد
فإن الفلسفة الإسلامية من المسائل التي تتخذ من الفكر العقلي الإسلامي نزوعاً حقيقياً لها ، تتفرد به في مسائلها ، وخلفياتها ، ومسمياتها الحقيقية ، التي تتعرف فيما بينها على أصول وثوابت في الفكر العام ، وإنا إذ نقول : الفلسفة الإسلامية ، فإنا نعني بها حقيقة الفكر الإسلامي الذي يفرضه الواقع الفعلى للمسلمين ، مع التضامن الحقيقي بين الأصول العقلية ، الأصول النقلية التي نجعلها أساساً لفكرنا المستقيم .
ومن المعلوم أن الفلسفة هي العمل العقلي المنظم ، ومن ثم ترى الكثرة من العلماء والمفكرين ينظرون إليها على أنها من نتاج العقل الإنساني ، فلا حاجة أن نقول إنها تعني بقوم دون قوم ، أو فينة دون فينة ، أو شعب دون شعب ، كلا ، فإن هذا ما لا يجوز القول به في محط الأقوال والأعمال والأفكار والخلفيات والسوابغ .
وبهذه الأصول رأيت أن بعض المحدثين ، إذا ما تعرضوا للفظة الفلسفة ، تراهم ينفرون من وضع تعريف لها ، لا أدري لماذا ؟ ويكتفون بالتقليد كسمة أساسية في البحث ، ومن هذا القبيل رأيت أن الوقوف على محط التقليد بدافع من التعصب لا يجدي في العلوم شيئاً ، وأن مثاره إلى الجهل المقنع ، بله المركب .
وأنه لما كان القصد عندي أن أسير سيراً حثيثاً أسبر أغوار الحقيقة ، ولا أقف على مجرد قول قاله البعض ، فآخذه مأخذ التسليم والاعتقاد ، كلا ، وإنما الأصل عندي أن اسبر الحقيقة وأغوارها وأتفحص وحقائقها وأسرارها ، فلا أقول كما يقول الكثير ، ألغ عقلك وسلم وخذ وأنت أعمى ، كلا .
وهنا كانت الوقفة الجادة ، إذ لا بد من تعليم منهج يقرر الحقيقة كاملة ؛ لأن العلوم ليست بالتلقين فقط دون إعمال للعقل ، وإنما تؤخذ من خلال الأحوال والمناهج ؛ للوصول إلى تجديد في الفكر والمنهج والطريقة والأداة ، من هذا القبيل تتجدد المعارف ، وتتخذ من الملامح الثابتة أصول تتفرع عنها فروع وأحوال
منقول من كتابي سبحات فكرية في الفلسفة الإسلامية
أد/ محمد السيد شحاته .