وكل في فلك يسبحون
م. وصفي أمين الشديفات
تَعلَّمنا أنَّ القَمَر يَدُور حَول الأرض، وَتَدُور الكَواكِب حَول الشَّمس في مَداراتٍ دائِرية شكل (1)، ثُمَّ تَعَلَّمنا لاحِقاً مِن قَوانين (كِبلَر) بأنَّ الكَواكِب تَدُور حَول الشَّمس في مداراتٍ أهليجية بيضاوية
شكل (1)
لكن عِندما كُنتُ أسمَع الآيات القُرآنيّة الَّتي تَصِف حَرَكة الشَّمس والقَمَر بأنَّها ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (يس: 40). لَم أكُن أستطيع أن أقرِن هَذا الوَصف القُرآني، بِذلِك الوَصف العِلمي الَّذي يقول بأنّهُم يَدُورون، وَلَو كانوا يَدورون لَذُكِرَت كَلِمَة يَدُورُون.
كانت الآية ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ الذاريات: 47، تُشير في معناها إلَى الكَون المُتوسِّع، لَكِن بِدون أن تَتَشَتَّت أجرامُه الداخِلية، وَهَذا الأمر مبدئياً، يُعاكِس فِكرَة الدوران الَّتي وَصَفنا بِها حَرَكة القَمَر والكَواكِب، فَبَينَما يَعتَمِد مَبدأ الدوران عَلى المَبدأ التالي: إذا استمرَّ الجِسم بالسَّير في نَفسِ الاتِجاه حَول نُقطَة ثابِتَة مَسافَة ثابِتَة، فلا بُدَّ لَهُ أن يَعود إلَى النُّقطة الَّتي أنطَلَق مِنها من الاتِجاه الآخَر، أمَّا في حالَة توسُّع الكَون فَلا تُوجَد أي نُقطَة دارَت بِشكلٍ دائِري أو إهليجي عائِدَةً إلى نُقطة الصِّفر الَّتي بَدَأت مِنها، ذلك أنَّه مَع توسُّع الكَون فإنَّ كُلَّ نُقطة فيه سَتَتبع هَذا التوسُّع، وَسَتَستَمِر في الحَرَكَة جارِيَةً باتِّجاه تَوسُّع الكَون مُتباعِدَةً عَن النُّقطة الَّتي بَدَأت مِنها، وَهَذا ما يَمنَع مَبدأ الدوران عَن أي مِن أجرام الكَون.
وَمن هُنا جاءَت المُفارقة، مُفارقة وبَدأتُ في البَحثِ في كُلِّ آياتِ القُرآن الكَريم حَول أي وَصف لأي حَرَكة في الكَون بالدوران، لِلأسَف لَم أجِد الِفعل دارَ وَلا الفِعل يَدور وَلا الفِعل سَيَدور. . وَلَم يُطلِق القُرآن وَصف الدوران اطلاقاً عَلى أي حَرَكة داخِل الكَون ولا حَتَّى على سُلوك البَشَر وَلا حَتَّى عَلى الدَواب. . وَفي الحَقيقَة: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} (لقمان: 29).
رَجعت من جَديد أبحَث عَن مَعنى كَلِمَة يَسبَح، فَوَجَدت أنَّها تَعني: طَفا عَلى الماء، أي أنَّ الماء تَغَلَّب عَلى ثِقَل الشَّيء وَلَم يَترُكَه يَهوي تَحت تأثير كُتلَته إلَى الأسفَل.
لكن كَلِمَة طَفا تَعني أنَّ الجِسم لا يَتَحرَّك من مَكانه إلَى مَكان آخَر عَلَى سَطح الماء، لِذا فإنِّي عِندَما عُدت إلى الآيات من جَديد، وَجَدت أنَّ الآيات أضافَت إلى فِعل السِّباحَة هَذا كَلِمَة يَجري، وَكَلِمَة يَجري مُستَعارَة من جَري الماء، إذاً اتَّضحت الصُّورَة, شكل (2).
لَقَد استلهم عِلم الفيزياء وَصفه لِلحَرَكات الفيزيائيَّة المَوجيَّة من حَرَكَة أمواج الماء، والمَوجَة المائيَّة في الفيزياء عِبارَة عَن تَذَبذبات تَرتَفِع وَتَنخَفِض، ولكنَّها لَن تَرتَفِع وَتَنخَفِض بِشَكل عَمُودي، ولكن بِشَكلٍ بَيضَوي، ذلِك أنَّهُ عِندَما يَعُوم جسم عَلى مَوجَة فإنَّهُ في نَفس الوَقت الَّذي يَرتَفِع وَيَنخَفِض فيه، فإنَّ المَوجَة تَتَحرَّك إلَى الأمام والخَلف في مَكانِها، راسِمَةً مَساراً بَيضَويَّا، كُل ما عَلى الجِسم الطَّافي هُو أن يَتبَعَه.
هَذِهِ المَسارات البَيضَويَّة هِيَ نَفسها الَّتي بَدَت لِلعالِم الكَبير (كِبلَر) بَيضَويَّة، (فَكِبلَر) نَظَر إلَى هَذِهِ المَسارات من عَلى سَطحِ الأرض، والمُراقِب من عَلى سَطحِ الأرض سَتَبدُو لَهُ المَدارات بَيضَويَّة. وَلَو سافَرَ (كِبلَر) خارِج المَجمُوعَة الشَّمسيَّة، وَنَظَرَ إلى مَداراتِ الأقمار والكَواكِب لَرآها موجيَّة سابِحَة. وَحَتَّى أجعَل المَوضُوع يَتَّضِح أكثَر، سأضرِب أمثِلَة، تَخَيَّل أنَّك في سَيَّارَة وَسَط دُوَّار، وَجاءَت سَيَّارَة من خَلفَك ثُمَّ دارَت عَن يَمينَك ثُمَّ من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك إلى خَلفك. إنَّكَ حَتماً سَتَقُول بأنَّ هَذِهِ السَيَّارَة قَد سارَت في مَدارٍ دائِري حَولَك شكل (3). وَلكن تَخيَّل الآن أنَّك لَم تَكُن تَدور، ولكنَّك كُنت مُتَحَرِّك إلى الأمام، وأرادَت تِلك السَيَّارَة أن تُعيد العَمَليَّة السَّابِقَة، وَهِيَ أن تأتي من خَلفك ثُمَّ تَسير عَن يَمينِك ثُمَّ تَسير من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك باتِجاه خَلفَك من جَديد، والسُّؤال الآن: هَل سَتَرسم هَذِهِ السَيَّارَة مَساراً دائِريَّا حَولَك مِثلَما فَعَلَت في المَرَّة السَّابِقَة.
شكل (2)
في الشَّكل الَّذي عَملته نَرَى أنَّهُ بِفَرَض أنَّنا ثابِتين في نُقطَة ثابِتَة عَلَى أرض ثابِتَة في كَون ثابِت، وَتأتي سَيَّارَة وَتَدُور حَولنا، فإنَّهُ بالنِّسبَة لَنا نَحن المَوجُودين بِداخِل السَّيارَة، وَبالنِّسبَة لِمَن هُم مَوجُودون عَلَى الأرض أو في الكَون؛ فإنَّهُم سَيَرُون تلك السَّيارَة قَد دارَت حَولَنا وَرَسَمَت مَداراً دائِريا.
يتبع
م. وصفي أمين الشديفات
تَعلَّمنا أنَّ القَمَر يَدُور حَول الأرض، وَتَدُور الكَواكِب حَول الشَّمس في مَداراتٍ دائِرية شكل (1)، ثُمَّ تَعَلَّمنا لاحِقاً مِن قَوانين (كِبلَر) بأنَّ الكَواكِب تَدُور حَول الشَّمس في مداراتٍ أهليجية بيضاوية
شكل (1)
لكن عِندما كُنتُ أسمَع الآيات القُرآنيّة الَّتي تَصِف حَرَكة الشَّمس والقَمَر بأنَّها ﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ (يس: 40). لَم أكُن أستطيع أن أقرِن هَذا الوَصف القُرآني، بِذلِك الوَصف العِلمي الَّذي يقول بأنّهُم يَدُورون، وَلَو كانوا يَدورون لَذُكِرَت كَلِمَة يَدُورُون.
كانت الآية ﴿وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ﴾ الذاريات: 47، تُشير في معناها إلَى الكَون المُتوسِّع، لَكِن بِدون أن تَتَشَتَّت أجرامُه الداخِلية، وَهَذا الأمر مبدئياً، يُعاكِس فِكرَة الدوران الَّتي وَصَفنا بِها حَرَكة القَمَر والكَواكِب، فَبَينَما يَعتَمِد مَبدأ الدوران عَلى المَبدأ التالي: إذا استمرَّ الجِسم بالسَّير في نَفسِ الاتِجاه حَول نُقطَة ثابِتَة مَسافَة ثابِتَة، فلا بُدَّ لَهُ أن يَعود إلَى النُّقطة الَّتي أنطَلَق مِنها من الاتِجاه الآخَر، أمَّا في حالَة توسُّع الكَون فَلا تُوجَد أي نُقطَة دارَت بِشكلٍ دائِري أو إهليجي عائِدَةً إلى نُقطة الصِّفر الَّتي بَدَأت مِنها، ذلك أنَّه مَع توسُّع الكَون فإنَّ كُلَّ نُقطة فيه سَتَتبع هَذا التوسُّع، وَسَتَستَمِر في الحَرَكَة جارِيَةً باتِّجاه تَوسُّع الكَون مُتباعِدَةً عَن النُّقطة الَّتي بَدَأت مِنها، وَهَذا ما يَمنَع مَبدأ الدوران عَن أي مِن أجرام الكَون.
وَمن هُنا جاءَت المُفارقة، مُفارقة وبَدأتُ في البَحثِ في كُلِّ آياتِ القُرآن الكَريم حَول أي وَصف لأي حَرَكة في الكَون بالدوران، لِلأسَف لَم أجِد الِفعل دارَ وَلا الفِعل يَدور وَلا الفِعل سَيَدور. . وَلَم يُطلِق القُرآن وَصف الدوران اطلاقاً عَلى أي حَرَكة داخِل الكَون ولا حَتَّى على سُلوك البَشَر وَلا حَتَّى عَلى الدَواب. . وَفي الحَقيقَة: {كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى} (لقمان: 29).
رَجعت من جَديد أبحَث عَن مَعنى كَلِمَة يَسبَح، فَوَجَدت أنَّها تَعني: طَفا عَلى الماء، أي أنَّ الماء تَغَلَّب عَلى ثِقَل الشَّيء وَلَم يَترُكَه يَهوي تَحت تأثير كُتلَته إلَى الأسفَل.
لكن كَلِمَة طَفا تَعني أنَّ الجِسم لا يَتَحرَّك من مَكانه إلَى مَكان آخَر عَلَى سَطح الماء، لِذا فإنِّي عِندَما عُدت إلى الآيات من جَديد، وَجَدت أنَّ الآيات أضافَت إلى فِعل السِّباحَة هَذا كَلِمَة يَجري، وَكَلِمَة يَجري مُستَعارَة من جَري الماء، إذاً اتَّضحت الصُّورَة, شكل (2).
لَقَد استلهم عِلم الفيزياء وَصفه لِلحَرَكات الفيزيائيَّة المَوجيَّة من حَرَكَة أمواج الماء، والمَوجَة المائيَّة في الفيزياء عِبارَة عَن تَذَبذبات تَرتَفِع وَتَنخَفِض، ولكنَّها لَن تَرتَفِع وَتَنخَفِض بِشَكل عَمُودي، ولكن بِشَكلٍ بَيضَوي، ذلِك أنَّهُ عِندَما يَعُوم جسم عَلى مَوجَة فإنَّهُ في نَفس الوَقت الَّذي يَرتَفِع وَيَنخَفِض فيه، فإنَّ المَوجَة تَتَحرَّك إلَى الأمام والخَلف في مَكانِها، راسِمَةً مَساراً بَيضَويَّا، كُل ما عَلى الجِسم الطَّافي هُو أن يَتبَعَه.
هَذِهِ المَسارات البَيضَويَّة هِيَ نَفسها الَّتي بَدَت لِلعالِم الكَبير (كِبلَر) بَيضَويَّة، (فَكِبلَر) نَظَر إلَى هَذِهِ المَسارات من عَلى سَطحِ الأرض، والمُراقِب من عَلى سَطحِ الأرض سَتَبدُو لَهُ المَدارات بَيضَويَّة. وَلَو سافَرَ (كِبلَر) خارِج المَجمُوعَة الشَّمسيَّة، وَنَظَرَ إلى مَداراتِ الأقمار والكَواكِب لَرآها موجيَّة سابِحَة. وَحَتَّى أجعَل المَوضُوع يَتَّضِح أكثَر، سأضرِب أمثِلَة، تَخَيَّل أنَّك في سَيَّارَة وَسَط دُوَّار، وَجاءَت سَيَّارَة من خَلفَك ثُمَّ دارَت عَن يَمينَك ثُمَّ من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك إلى خَلفك. إنَّكَ حَتماً سَتَقُول بأنَّ هَذِهِ السَيَّارَة قَد سارَت في مَدارٍ دائِري حَولَك شكل (3). وَلكن تَخيَّل الآن أنَّك لَم تَكُن تَدور، ولكنَّك كُنت مُتَحَرِّك إلى الأمام، وأرادَت تِلك السَيَّارَة أن تُعيد العَمَليَّة السَّابِقَة، وَهِيَ أن تأتي من خَلفك ثُمَّ تَسير عَن يَمينِك ثُمَّ تَسير من أمامَك ثُمَّ عَن يَسارَك باتِجاه خَلفَك من جَديد، والسُّؤال الآن: هَل سَتَرسم هَذِهِ السَيَّارَة مَساراً دائِريَّا حَولَك مِثلَما فَعَلَت في المَرَّة السَّابِقَة.
شكل (2)
في الشَّكل الَّذي عَملته نَرَى أنَّهُ بِفَرَض أنَّنا ثابِتين في نُقطَة ثابِتَة عَلَى أرض ثابِتَة في كَون ثابِت، وَتأتي سَيَّارَة وَتَدُور حَولنا، فإنَّهُ بالنِّسبَة لَنا نَحن المَوجُودين بِداخِل السَّيارَة، وَبالنِّسبَة لِمَن هُم مَوجُودون عَلَى الأرض أو في الكَون؛ فإنَّهُم سَيَرُون تلك السَّيارَة قَد دارَت حَولَنا وَرَسَمَت مَداراً دائِريا.
يتبع